( فصل ) :
وأما إذا الحلف على الركوب فإن ركب بعيرا أو بقرة لم يحنث والقياس أن يحنث في ركوب كل حيوان لأن الدابة اسم لما يدب على وجه الأرض قال الله تعالى : { حلف لا يركب دابة فهو على الدواب التي يركبها الناس في حوائجهم في مواضع إقامتهم وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها }
وقال عز وجل : { إن شر الدواب عند الله الذين كفروا } إلا أنهم استحسنوا وحملوا اليمين على ما يركبه الناس في الأمصار ولقضاء الحوائج غالبا وهو الخيل والبغال والحمير تخصيصا للعموم بالعرف والعادة لأنا نعلم أنه ما أراد به كل حيوان فحملنا مطلق كلامه على العادة ومعلوم أن الفيل والبقرة والبعير لا يركب لقضاء الحوائج في الأمصار عادة فإن نوى في يمينه الخيل خاصة دين فيما بينه وبين الله عز وجل لأن اللفظ يحتمله ولا يدين في القضاء لأنه خلاف ظاهر العموم وإن لم يحنث لأن الفرس عبارة عن العربي والبرذون عن الشهري فصار كمن حلف لا يركب فرسا فركب برذونا أو حلف لا يركب برذونا فركب فرسا . حلف لا يكلم رجلا عربيا فكلم عجميا
ولو لا يصدق في القضاء ولا فيما بينه وبين الله عز وجل لأن الركوب ليس بمذكور فلا يحتمل التخصيص فإن حلف لا يركب الخيل فركب برذونا أو فرسا يحنث لأن الخيل اسم جنس قال الله عز وجل : { حلف لا يركب ، وقال نويت الخيل والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة } .
وقال صلى الله عليه وسلم { } والمراد به الجنس فيعم جميع أنواعه . الخيل في نواصيها الخير إلى يوم القيامة
ولو حنث لما ذكرنا أن الركوب يحتمل الابتداء ويتجدد أمثاله وكذلك لو حلف لا يركب دابة وهو راكبها فمكث على حاله ساعة واقفا أو سائرا لما قلنا فإن نزل عقيب يمينه أو نزع أو قام لم يحنث عند حلف لا يلبس وهو لابس أو لا يجلس على هذا الفراش وهو جالس أصحابنا الثلاثة خلافا وقد ذكرنا المسألة فيما تقدم . لزفر
ولو لا يحنث في قول حلف لا يركب دابة فلان فركب دابة لعبد فلان وعليه دين أو لا دين عليه وعند أبي حنيفة يحنث أما إذا كان عليه دين فلأنه لا يملكها عند محمد وعند أبي حنيفة هي مضافة إلى العبد دون المولى وأما إذا لم يكن عليه دين فهي مضافة إلى العبد فلم يحنث وعند أبي يوسف هي ملك المولى حقيقة فيحنث بركوبها ولو محمد حنث لوجود الركوب أما في الدابة بالسرج والإكاف فلا شك فيه وأما في السفينة فلأن الله تعالى سمى ذلك ركوبا بقوله عز وجل : { حلف لا يركب مركبا ولا نوى شيئا فركب سفينة أو محملا أو دابة بإكاف أو سرج وقال اركبوا فيها بسم الله مجراها } والله عز وجل أعلم .