( فصل ) :
وأما بيان فركن الطلاق هو اللفظ الذي جعل دلالة على معنى الطلاق لغة وهو التخلية والإرسال ورفع القيد في الصريح وقطع الوصلة ونحوه في الكناية أو شرعا ، وهو إزالة حل المحلية في النوعين أو ما يقوم مقام اللفظ أما اللفظ فمثل أن يقول في الكناية : أنت بائن أو أبنتك أو يقول في الصريح أنت طالق أو طلقتك وما يجري هذا المجرى إلا أن التطليق والطلاق في العرف يستعملان في المرأة خاصة والإطلاق يستعمل في غيرها يقال في المرأة طلق يطلق تطليقا وطلاقا وفي البعير والأسير ونحوهما يقال أطلق يطلق إطلاقا وإن كان المعنى في اللفظين لا يختلف في اللغة ومثل هذا جائز كما يقال حصان وحصان وعديل وعدل فالحصان بفتح الحاء يستعمل في المرأة وبالخفض يستعمل في الفرس وإن كانا يدلان على معنى واحد لغة وهو المنع . ركن الطلاق
والعديل يستعمل في الآدمي والعدل فيما سواه ، وإن كانا موجودين في المعادلة في اللغة كذا هذا ، ولهذا قالوا : إن من يرجع إلى نيته لأن الإطلاق في العرف يستعمل في إثبات الانطلاق عن الحبس والقيد الحقيقي ، فلا يحمل على القيد الحكمي إلا بالنية ويستوي في الركن ذكر التطليقة وبعضها حتى لو قال لها أنت طالق بعض تطليقة أو ربع تطليقة أو ثلث تطليقة أو نصف تطليقة أو جزءا من ألف جزء من تطليقة يقع تطليقة كاملة وهذا على قول عامة العلماء . قال لامرأته أنت مطلقة مخففا
وقال لا يقع عليها شيء لأن نصف تطليقة لا يكون تطليقة حقيقة بل هو بعض تطليقة وبعض الشيء ليس عين ذلك الشيء إن لم يكن له غيره . ربيعة الرأي
( ولنا ) أن الطلاق لا يتبعض وذكر البعض فيما لا يتبعض ذكر لكله كالعفو عن بعض القصاص أنه يكون عفوا عن الكل .
ولو أو واحدة وثلث طلقت اثنتين لأن البعض من تطليقة تطليقة كاملة فصار كأنه قال أنت طالق اثنتين بخلاف ما إذا قال : أنت طالق واحدة ونصفها أو ثلثها أنه لا يقع إلا واحدة لأن هناك أضاف النصف إلى الواحدة الواقعة والواقع لا يتصور وقوعه ثانيا وهنا ذكر نصا منكرا غير مضاف إلى واقع فيكون إيقاع تطليقة أخرى . قال : أنت طالق طلقة واحدة ونصف
ولو فهو ثلاث لما ذكرنا أن كل جزء من التطليقة تطليقة كاملة هذا إذا كانت مدخولا بها فإن كانت غير مدخول بها فلا تقع إلا واحدة لأنها بانت بالأولى ، كما إذا قال أنت طالق وطالق وطالق ، ولو قال أنت طالق سدس تطليقة وثلثها ونصفها بعد أن لا يتجاوز العدد عن واحدة لو جمع ذلك فهو تطليقة واحدة ولو تجاوز بأن قال : أنت طالق سدس تطليقة وربعها [ ص: 99 ] وثلثها ونصفها ; لم يذكر هذا في ظاهر الرواية واختلف المشايخ فيه قال بعضهم : يقع تطليقتان . قال أنت طالق سدس تطليقة أو ثلث تطليقة أو نصف تطليقة أو ثلثي تطليقة
وقال بعضهم يقع تطليقة واحدة ولو قال أنت طالق ثلاثة أنصاف تطليقتين فهي ثلاث لأن نصف التطليقتين تطليقة ، فثلاثة أنصاف تطليقتين ثلاثة أمثال تطليقة فصار كأنه قال أنت طالق ثلاث تطليقات ولو طلقت كل واحدة واحدة لأن الطلقة الواحدة إذا قسمت على أربع أصاب كل واحدة ربعها وربع تطليقة تطليقة كاملة ، وكذلك إذا قال بينكن تطليقتان أو ثلاث أو أربع لأن التطليقتين إذا انقسمتا بين الأربع يصيب كل واحدة نصف تطليقة ، ونصف التطليقة تطليقة ، فإن قيل لم لا يقسم كل تطليقة بحيالها على الأربع فيلزم تطليقتان ؟ فالجواب أنه ما فعل هكذا بل جعل التطليقتين جميعا بين الأربع لأن الجنس واحد لا يتفاوت ، والقسمة في الجنس الواحد الذي لا يتفاوت يقع على جملته وإنما يقسم الآحاد إذا كان الشيء متفاوتا فإن نوى الزوج أن يكون كل تطليقة على حيالها بينهن يكون على ما نوى ويقع على كل واحدة منهن تطليقتان لأنه نوى ما يحتمله كلامه وهو غير متهم فيه لأنه شدد على نفسه فيصدق ولو قال : بينكن خمس تطليقات فكل واحدة طالق اثنتين لأن الخمس إذا قسمت على الأربع أصاب كل واحدة تطليقة وربع تطليقة ; وربع تطليقة تطليقة كاملة فيكون تطليقتين وعلى هذا ما زاد على خمسة إلى ثمانية . كان أربع نسوة فقال بينكن تطليقة
فإن قال بينكن تسع تطليقات وقعت على كل واحدة ثلاث تطليقات لأن التسع إذا قسمت على أربع أصاب كل واحدة منهن تطليقتان وربع تطليقة ، وربع تطليقة تطليقة كاملة فيقع على كل واحدة ثلاثة وعلى هذا قالوا لو قال أشركت بينكن في تطليقتين أو في ثلاث أو أربع أو خمس أو ست أو سبع أو ثمان أو تسع إن هذا وقوله بينكن سواء لأن لفظة البين تنبي عن الشركة فقوله " بينكن " كذا معناه أشركت بينكن كذا بخلاف ما إذا طلق امرأة له تطليقتين ثم قال لأخرى قد أشركتك في طلاقها أنه يقع عليها تطليقتان لأن قوله أشركتك في طلاقها إثبات الشركة في الواقع ولا تثبت الشركة في الواقع إلا بثبوت الشركة في كل واحد منهما لأنه لا يمكن رفع التطليقة الواقعة عنها وإيقاعها على الأخرى فلزمت الشركة في كل واحدة من التطليقتين على الانفراد وهذا يوجب وقوع تطليقتين على الأخرى وسواء كان مباشرة الركن من الزوج بطريق الأصالة أو من غيره بطريق النيابة عنه بالوكالة والرسالة لأن الطلاق مما تجري فيه النيابة فكان فعل النائب كفعل المنوب عنه وأما الذي يقوم مقام اللفظ فالكتابة والإشارة على ما نذكر إن شاء الله تعالى .