( أما ) الأول أنواع : منها الماء المطلق ، ولا خلاف في أنه يحصل به الطهارة الحقيقية والحكمية جميعا ; لأن الله تعالى سمى الماء طهورا بقوله { فما يحصل به التطهير وأنزلنا من السماء ماء طهورا } وكذا النبي صلى الله عليه وسلم بقوله { } والطهور : هو الطاهر في نفسه المطهر لغيره ، وكذا جعل الله تعالى الوضوء والاغتسال بالماء طهورا بقوله في آخر آية الوضوء : { الماء طهور لا ينجسه شيء ، إلا ما غير لونه ، أو طعمه ، أو ريحه ولكن يريد ليطهركم } .
وقوله { وإن كنتم جنبا فاطهروا } ويستوي العذب والملح لإطلاق النصوص .
وأما ما سوى الماء من المائعات الطاهرة فلا خلاف في أنه لا تحصل بها الطهارة الحكمية ، وهي زوال الحدث ، وهل تحصل بها الطهارة الحقيقية وهي زوال النجاسة الحقيقية عن الثوب والبدن ؟ اختلف فيه فقال أبو حنيفة : تحصل وقال وأبو يوسف محمد وزفر : لا تحصل . والشافعي
وروي عن أنه فرق بين الثوب والبدن ، فقال في الثوب : تحصل وفي البدن لا تحصل إلا بالماء وجه قولهم أن طهورية الماء عرفت شرعا بخلاف القياس ; لأنه بأول ملاقاته النجس صار نجسا ، والتطهير بالنجس لا يتحقق كما إذا غسل بماء نجس ، أو بالخمر ، إلا أن الشرع أسقط اعتبار نجاسة الماء حالة الاستعمال ، وبقاؤه طهورا على خلاف القياس فلا يلحق به غيره ; ولهذا لم يلحق به في إزالة الحدث ، ( ولهما ) أن الواجب هو التطهير ، وهذه المائعات تشارك الماء في التطهير ; لأن الماء إنما كان مطهرا لكونه مائعا رقيقا يداخل أثناء الثوب ، فيجاور أجزاء النجاسة ، فيرققها إن كانت كثيفة ، فيستخرجها [ ص: 84 ] بواسطة العصر ، وهذه المائعات في المداخلة ، والمجاورة ، والترقيق ، مثل الماء فكانت مثله في إفادة الطهارة بل أولى ، فإن الخل يعمل في إزالة بعض ألوان لا تزول بالماء ، فكان في معنى التطهير أبلغ ، ( وأما ) قولهم : إن الماء بأول ملاقاة النجس صار نجسا ممنوع ، والماء قط لا يصير نجسا ، وإنما يجاور النجس فكان طاهرا في ذاته فصلح مطهرا ، ولو تصور تنجس الماء فذلك بعد مزايلته المحل النجس ; لأن الشرع أمرنا بالتطهير ، ولو تنجس بأول الملاقاة لما تصور التطهير ، فيقع التكليف بالتطهير عبثا ، تعالى الله عن ذلك ، فهكذا نقول في الحدث ، إلا أن الشرع ورد بالتطهير بالماء هناك تعبدا غير معقول المعنى ، فيقتصر على مورد التعبد ، وهذا إذا كان مائعا ينعصر بالعصر ، فإن كان لا ينعصر ، مثل العسل والسمن والدهن ونحوها ، لا تحصل به الطهارة أصلا ; لانعدام المعاني التي يقف عليها زوال النجاسة على ما بينا . أبي يوسف