الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ( ومنها ) الإسلام فإنه شرط وقوعه صحيحا عند عامة العلماء ، حتى لا يصح تيمم الكافر ، وإن أراد به الإسلام .

                                                                                                                                وروي عن أبي يوسف إذا تيمم ينوي الإسلام جاز ، حتى لو أسلم لا يجوز له أن يصلي بذلك التيمم عند العامة وعلى رواية أبي يوسف يجوز ، وجه روايته أن الكافر من أهل نية الإسلام ، والإسلام رأس العبادة فيصح تيممه له بخلاف ما إذا تيمم للصلاة ; لأنه ليس من أهل الصلاة فكان تيممه للصلاة سفها فلا يعتبر .

                                                                                                                                ( ولنا ) أن التيمم ليس بطهور حقيقة وإنما جعل طهورا للحاجة إلى فعل لا صحة له بدون الطهارة ، والإسلام يصح بدون الطهارة فلا حاجة إلى أن يجعل طهورا في حقه بخلاف الوضوء ; لأنه يصح من الكافر عندنا ; لأنه طهور حقيقة فلا تشترط له الحاجة ليصير طهورا ولهذا لو تيمم مسلم بنية الصوم لم يصح .

                                                                                                                                وإن كان الصوم عبادة فكذا ههنا بل أولى ; لأن هناك باشتغاله بالتيمم لم يرتكب نهيا ، وههنا ارتكب أعظم نهي ; لأنه بقدر ما اشتغل صار باقيا على الكفر مؤخرا للإسلام ، وتأخير الإسلام من أعظم العصيان ، ثم لما لم يصح ذاك فلأن لا يصح هذا أولى مسلم تيمم ، ثم ارتد عن الإسلام - والعياذ بالله - لم يبطل تيممه ، حتى لو رجع إلى الإسلام له أن يصلي بذلك التيمم ، وعند زفر بطل تيممه ; حتى لا يجوز له أن يصلي بذلك التيمم بعد الإسلام فالإسلام عندنا شرط وقوع التيمم صحيحا لا شرط بقائه على الصحة .

                                                                                                                                وعند زفر هو شرط بقائه على الصحة أيضا ، فزفر يجمع بين حالة الابتداء والبقاء بعلة جامعة بينهما ، وهي ما ذكرنا أنه جعل طهورا مع أنه ليس بطهور حقيقة لمكان الحاجة إلى ما لا صحة له بدون الطهارة من الصلاة [ ص: 53 ] وغيرها ، وذا لا يتصور من الكافر فلا يبقى طهارة في حقه ، ولهذا لم تنعقد طهارة مع الكفر فلا تبقى طهارة معه .

                                                                                                                                ( ولنا ) أن التيمم وقع طهارة صحيحة فلا يبطل بالردة ; لأن أثر الردة في إبطال العبادات ، والتيمم ليس بعبادة عندنا لكنه طهور ، والردة لا تبطل صفة الطهورية كما لا تبطل صفة الوضوء ، واحتمال الحاجة باق ، لأنه مجبور على الإسلام ، والثابت بيقين يبقى لوهم الفائدة في أصول الشرع إلا أنه لم ينعقد طهارة مع الكفر ; لأن جعله طهارة للحاجة ، والحاجة زائلة للحال بيقين ، وغير الثابت بيقين لا يثبت لوهم الفائدة مع ما أن رجاء الإسلام منه على موجب ديانته واعتقاده منقطع ، والجبر على الإسلام منعدم وهو الفرق بين الابتداء والبقاء .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية