الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                معلومات الكتاب

                                                                                                                                بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

                                                                                                                                الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ( فصل ) :

                                                                                                                                وأما بيان سنن الأذان فسنن الأذان في الصلاة نوعان : نوع يرجع إلى نفس الأذان ، ونوع يرجع إلى صفات المؤذن .

                                                                                                                                ( أما ) الذي يرجع إلى نفس الأذان فأنواع : منها - أن يجهر بالأذان فيرفع به صوته ; لأن المقصود وهو الإعلام يحصل به ألا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعبد الله بن زيد علمه بلالا فإنه أندى وأمد صوتا منك ؟ ولهذا كان الأفضل أن يؤذن في موضع يكون أسمع للجيران كالمئذنة ونحوها ، ولا ينبغي أن يجهد نفسه ; لأنه يخاف حدوث بعض العلل كالفتق وأشباه ذلك ، دل عليه ما روي أن عمر رضي الله عنه قال لأبي محذورة أو لمؤذن بيت المقدس حين رآه يجهد نفسه في الأذان : أما تخشى أن ينق طع مريطاؤك وهو ما بين السرة إلى العانة ، وكذا يجهر بالإقامة لكن دون الجهر بالأذان ; لأن المطلوب من الإعلام بها دون المقصود من الأذان .

                                                                                                                                ( ومنها ) أن يفصل بين كلمتي الأذان بسكتة ، ولا يفصل بين كلمتي الإقامة بل يجعلها كلاما واحدا ; لأن الإعلام المطلوب من الأول لا يحصل إلا بالفصل ، والمطلوب من الإقامة يحصل بدونه .

                                                                                                                                ( ومنها ) - أن يترسل في الأذان ويحدر في الإقامة لقول النبي صلى الله عليه وسلم لبلال رضي الله عنه : { إذا أذنت فترسل ، وإذا أقمت فاحدر } وفي رواية : { فاحذم ، } وفي رواية : { فاحذف } ولأن الأذان لإعلام الغائبين بهجوم الوقت ، وذا في الترسل أبلغ ، والإقامة لإعلام الحاضرين بالشروع في الصلاة ، وإنه يحصل بالحدر ، ولو ترسل فيهما أو حدر أجزأه لحصول أصل المقصود وهو : الإعلام .

                                                                                                                                ( ومنها ) أن يرتب بين كلمات الأذان والإقامة ، حتى لو قدم البعض على البعض ترك المقدم ثم يرتب ويؤلف ويعيد المقدم ; لأنه لم يصادف محله فلغا ، وكذلك إذا ثوب بين الأذان والإقامة في الفجر فظن أنه في الإقامة فأتمها ، ثم تذكر قبل الشروع في الصلاة - فالأفضل أن يأتي بالإقامة من أولها إلى آخرها مراعاة للترتيب ، ودليل كون الترتيب أن النازل من السماء رتب ، وكذا المروي عن مؤذني رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهما رتبا ; ولأن الترتيب في الصلاة فرض ، والأذان شبيه بها فكان الترتيب فيه سنة ( ومنها ) أن يوالي بين كلمات الأذان والإقامة ; لأن النازل من السماء والى وعليه عمل مؤذني رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أنه لو أذن فظن أنه الإقامة ، ثم علم بعد ما فرغ - فالأفضل أن يعيد الأذان ، ويستقبل الإقامة مراعاة للموالاة وكذا إذا أخذ في الإقامة وظن أنه في الأذان ، ثم علم - فالأفضل أن يبتدئ الإقامة لما قلنا ، وعلى هذا إذا غشي عليه في الأذان والإقامة ساعة ، أو مات ، أو ارتد عن الإسلام ثم أسلم ، أو أحدث فذهب وتوضأ ، ثم جاء - فالأفضل هو الاستقبال لما قلنا ، والأولى له إذا أحدث في أذانه أو إقامته أن يتمها ثم يذهب ويتوضأ ويصلي ; لأن ابتداء الأذان والإقامة مع الحدث جائز ، فالبناء أولى .

                                                                                                                                ولو أذن ثم ارتد عن الإسلام فإن شاءوا أعادوا ; لأنه عبادته محضة ، والردة محبطة للعبادات ، فيصير ملحقا بالعدم وإن شاءوا اعتدوا به لحصول المقصود وهو الإعلام وكذا يكره للمؤذن أن يتكلم في أذانه أو إقامته ، لما فيه من ترك سنة الموالاة ; ولأنه ذكر معظم كالخطبة فلا يسع ترك حرمته ويكره له رد السلام في الأذان لما قلنا ، وعن سفيان الثوري أنه لا بأس بذلك ; لأنه فرض ، ولكنا نقول : إنه يحتمل التأخير إلى الفراغ من الأذان .

                                                                                                                                ( ومنها ) أن يأتي بالأذان والإقامة مستقبل القبلة ; لأن النازل من السماء هكذا فعل ، وعليه إجماع الأمة ، ولو ترك الاستقبال يجزيه لحصول المقصود وهو الإعلام ، لكنه يكره لتركه السنة المتواترة ، إلا أنه إذا انتهى إلى الصلاة والفلاح حول وجهه يمينا وشمالا ، كذا فعل النازل من السماء ، ولأن هذا خطاب للقوم فيقبل بوجهه إليهم إعلاما لهم ، كالسلام في الصلاة ، وقدماه مكانهما ليبقى مستقبل القبلة بالقدر الممكن كما في السلام والصلاة ، ويحول وجهه مع بقاء البدن مستقبل القبلة كذا ههنا وإن كان في الصومعة : فإن كانت ضيقة لزم مكانه ، لانعدام الحاجة إلى الاستدارة وإن كانت واسعة فاستدار فيها ليخرج رأسه من نواحيها فحسن ; لأن الصومعة إذا كانت متسعة فالإعلام لا يحصل [ ص: 150 ] بدون الاستدارة .

                                                                                                                                ( ومنها ) أن يكون التكبير جزما ، وهو قوله : الله أكبر لقوله صلى الله عليه وسلم : الأذان جزم .

                                                                                                                                ( ومنها ) ترك التلحين في الأذان ، لما روي أن رجلا جاء إلى ابن عمر رضي الله عنهما فقال : إني أحبك في الله تعالى فقال ابن عمر : إني أبغضك في الله تعالى فقال : لم قال : لأنه بلغني أنك تغني في أذانك ، يعني التلحين ، أما التفخيم فلا بأس به ; لأنه إحدى اللغتين .

                                                                                                                                ( ومنها ) الفصل - فيما سوى المغرب - بين الأذان والإقامة ; لأن الإعلام المطلوب من كل واحد منهما لا يحصل إلا بالفصل ، والفصل - فيما سوى المغرب - بالصلاة أو بالجلوس مسنون ، والوصل مكروه ، وأصله ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لبلال : { إذا أذنت فترسل ، وإذا أقمت فاحدر } ، وفي رواية فاحذف ، وفي رواية { فاحذم ، وليكن بين أذانك وإقامتك مقدار ما يفرغ الآكل من أكله ، والشارب من شربه ، والمعتصر إذا دخل لقضاء حاجته ، ولا تقوموا في الصف حتى تروني } ; ولأن الأذان لاستحضار الغائبين فلا بد من الإمهال ليحضروا ، ثم لم يذكر في ظاهر الرواية مقدار الفصل ، وروى الحسن عن أبي حنيفة في الفجر قدر ما يقرأ عشرين آية ، وفي الظهر قدر ما يصلي أربع ركعات يقرأ في كل ركعة نحوا من عشر آيات ، وفي العصر مقدار ما يصلي ركعتين يقرأ في كل ركعة نحوا من عشر آيات ، وفي المغرب يقوم مقدار ما يقرأ ثلاث آيات ، وفي العشاء كما في الظهر وهذا ليس بتقدير لازم ، فينبغي أن يفعل مقدار ما يحضر القوم مع مراعاة الوقت المستحب وأما المغرب فلا يفصل فيها بالصلاة عندنا ، وقال الشافعي : يفصل بركعتين خفيفتين اعتبارا بسائر الصلوات .

                                                                                                                                ( ولنا ) ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { بين كل أذانين صلاة لمن شاء إلا المغرب } ، وهذا نص ، ولأن مبنى المغرب على التعجيل لما روى أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : { لن تزال أمتي بخير ما لم يؤخروا المغرب إلى اشتباك النجوم } ، والفصل بالصلاة تأخير لها ، فلا يفصل بالصلاة ، وهل يفصل بالجلوس ؟ قال أبو حنيفة : لا يفصل .

                                                                                                                                وقال أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله تعالى - : يفصل بجلسة خفيفة كالجلسة التي بين الخطبتين ( وجه ) قولهما أن الفصل مسنون ، ولا يمكن بالصلاة ، فيفصل بالجلسة لإقامة السنة ولأبي حنيفة أن الفصل بالجلسة تأخير للمغرب ، وأنه مكروه ، ولهذا لم يفصل بالصلاة فبغيرها أولى ، ولأن الوصل مكروه ، وتأخير المغرب أيضا مكروه ، والتحرز عن الكراهتين يحصل بسكتة خفيفة ، وبالهيئة من الترسل والحذف ، والجلسة لا تخلو عن أحدهما ، وهي كراهة التأخير فكانت مكروهة ( وأما ) الذي يرجع إلى صفات المؤذن فأنواع أيضا : ( منها ) - أن يكون رجلا ، فيكره أذان المرأة باتفاق الروايات ; لأنها إن رفعت صوتها فقد ارتكبت معصية ، وإن خفضت فقد تركت سنة الجهر ; ولأن أذان النساء لم يكن في السلف فكان من المحدثات وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : { كل محدثة بدعة } ، ولو أذنت للقوم أجزأهم حتى لا تعاد لحصول المقصود وهو : الإعلام .

                                                                                                                                وروي عن أبي حنيفة أنه يستحب الإعادة وكذا أذان الصبي العاقل ، وإن كان جائزا حتى لا يعاد ذكره في ظاهر الرواية لحصول المقصود وهو : الإعلام ، لكن أذان البالغ أفضل ; لأنه في مراعاة الحرمة أبلغ وروى أبو يوسف عن أبي حنيفة أنه قال : أكره أن يؤذن من لم يحتلم ; لأن الناس لا يعتدون بأذانه ، وأما أذان الصبي الذي لا يعقل فلا يجزئ ويعاد ; لأن ما يصدر لا عن عقل لا يعتد به كصوت الطيور .

                                                                                                                                ( ومنها ) : أن يكون عاقلا ، فيكره أذان المجنون والسكران الذي لا يعقل ; لأن الأذان ذكر معظم وتأذينهما ترك لتعظيمه ، وهل يعاد ؟ ذكر في ظاهر الرواية : أحب إلي أن يعاد ; لأن عامة كلام المجنون والسكران هذيان ، فربما يشتبه على الناس فلا يقع به الإعلام .

                                                                                                                                ( ومنها ) - أن يكون تقيا لقول النبي صلى الله عليه وسلم : { الإمام ضامن ، والمؤذن مؤتمن } ، والأمانة لا يؤديها إلا التقي .

                                                                                                                                ( ومنها ) : أن يكون عالما بالسنة لقوله صلى الله عليه وسلم : { : يؤمكم أقرؤكم ، ويؤذن لكم خياركم } ، وخيار الناس العلماء ; ولأن مراعاة سنن الأذان لا يتأتى إلا من العالم بها ، ولهذا إن أذان العبد والأعرابي وولد الزنا ، وإن كان جائزا لحصول المقصود وهو الإعلام ، لكن غيرهم أفضل ; لأن العبد لا يتفرغ لمراعاة الأوقات لاشتغاله بخدمة المولى ، ولأن الغالب عليه الجهل ، وكذا الأعرابي وولد الزنا الغالب عليهما الجهل .

                                                                                                                                ( ومنها ) - أن يكون عالما بأوقات الصلاة ، حتى كان البصير أفضل من الضرير ; لأن الضرير لا علم له بدخول الوقت والإعلام بدخول الوقت ممن لا علم له بالدخول - متعذر [ ص: 151 ] لكن مع هذا لو أذن يجوز لحصول الإعلام بصوته ، وإمكان الوقوف على المواقيت من قبل غيره في الجملة وابن أم مكتوم كان مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان أعمى .

                                                                                                                                ( ومنها ) : أن يكون مواظبا على الأذان ; لأن حصول الإعلام لأهل المسجد بصوت المواظب أبلغ من حصوله بصوت من لا عهد لهم بصوته ، فكان أفضل وإن أذن السوقي لمسجد المحلة في صلاة الليل ، وغيره في صلاة النهار - يجوز ; لأن السوقي يحرج في الرجوع إلى المحلة في وقت كل صلاة لحاجته إلى الكسب .

                                                                                                                                ( ومنها ) أن يجعل أصبعيه في أذنيه لقول النبي صلى الله عليه وسلم لبلال : { إذا أذنت فاجعل أصبعيك في أذنيك ، فإنه أندى لصوتك وأمد بين الحكم ونبه على الحكمة } وهي المبالغة في تحصيل المقصود ، وإن لم يفعل أجزأه لحصول أصل الإعلام بدونه ، وروى الحسن عن أبي حنيفة أن الأحسن أن يجعل أصبعيه في أذنيه في الأذان والإقامة ، وإن جعل يديه على أذنيه فحسن ، وروى أبو يوسف عن أبي حنيفة أنه إن جعل إحدى يديه على أذنه فحسن .

                                                                                                                                ( ومنها ) أن يكون المؤذن على الطهارة ; لأنه ذكر معظم فإتيانه مع الطهارة أقرب إلى التعظيم ، وإن كان على غير طهارة بأن كان محدثا يجوز ، ولا يكره حتى يعاد في ظاهر الرواية ، وروى الحسن عن أبي حنيفة أنه يعاد ، ووجهه أن للأذان شبها بالصلاة ، ولهذا يستقبل به القبلة كما في الصلاة ، ثم الصلاة لا تجوز مع الحدث ، فما هو شبيه بها يكره معه وجه ظاهر الرواية ما روي أن بلالا ربما أذن وهو على غير وضوء ، ولأن الحدث لا يمنع من قراءة القرآن فأولى أن لا يمنع من الأذان وإن أقام وهو محدث ، ذكر في الأصل وسوى بين الأذان والإقامة فقال : ويجوز الأذان والإقامة على غير وضوء ، وروى أبو يوسف عن أبي حنيفة أنه قال : أكره إقامة المحدث .

                                                                                                                                ( والفرق ) أن السنة وصل الإقامة بالشروع في الصلاة ، فكان الفصل مكروها بخلاف الأذان ، ولا تعاد ; لأن تكرارها ليس بمشروع بخلاف الأذان .

                                                                                                                                وأما الأذان مع الجنابة فيكره في ظاهر الرواية حتى يعاد ، وعن أبي يوسف أنه لا يعاد لحصول المقصود - وهو الإعلام - ، والصحيح جواب ظاهر الرواية ; لأن أثر الجنابة ظهر في الفم فيمنع من الذكر المعظم كما يمنع من قراءة القرآن بخلاف الحدث ، وكذا الإقامة مع الجنابة تكره لكنها لا تعاد لما مر .

                                                                                                                                ( ومنها ) أن يؤذن قائما إذا أذن للجماعة ، ويكره قاعدا ; لأن النازل من السماء أذن قائما حيث وقف على حذم حائط ، وكذا الناس توارثوا ذلك فعلا ، فكان تاركه مسيئا لمخالفته النازل من السماء وإجماع الخلق ; ولأن تمام الإعلام بالقيام ويجزئه لحصول أصل المقصود ، وإن أذن لنفسه قاعدا فلا بأس به ; لأن المقصود مراعاة سنة الصلاة لا الإعلام ، وأما المسافر فلا بأس أن يؤذن راكبا ، لما روي أن بلالا رضي الله عنه ربما أذن في السفر راكبا ، ولأن له أن يترك الأذان أصلا في السفر فكان له أن يأتي به راكبا بطريق الأولى ، وينزل للإقامة لما روي أن بلالا أذن وهو راكب ، ثم نزل وأقام على الأرض ; ولأنه لو لم ينزل لوقع الفصل بين الإقامة والشروع في الصلاة بالنزول ، وإنه مكروه وأما في الحضر فيكره الأذان راكبا في ظاهر الرواية ، وعن أبي يوسف أنه قال : لا بأس به ثم المؤذن يختم الإقامة على مكانه ، أو يتمها ماشيا ، اختلف المشايخ فيه ، قال بعضهم : يختمها على مكانه سواء كان المؤذن إماما أو غيره ، وكذا روي عن أبي يوسف .

                                                                                                                                وقال بعضهم : يتمها ماشيا ، وعن الفقيه أبي جعفر الهندواني أنه إذا بلغ قوله : ( قد قامت الصلاة ) فهو بالخيار إن شاء مشى ، وإن شاء وقف ، إماما كان ، أو غيره ، وبه أخذ الشافعي والفقيه أبو الليث ، وما روي عن أبي يوسف - رحمه الله - أصح

                                                                                                                                ( ومنها ) - أن يؤذن في مسجد واحد ، ويكره أن يؤذن في مسجدين ، ويصلي في أحدهما ; لأنه إذا صلى في المسجد الأول يكون متنفلا بالأذان في المسجد الثاني ، والتنفل بالأذان غير مشروع ; ولأن الأذان يختص بالمكتوبات ، وهو في المسجد الثاني يصلي النافلة فلا ينبغي أن يدعو الناس إلى المكتوبة وهو لا يساعدهم فيها .

                                                                                                                                ( ومنها ) - أن من أذن فهو الذي يقيم ، وإن أقام غيره : فإن كان يتأذى بذلك يكره ; لأن اكتساب أذى المسلم مكروه ، وإن كان لا يتأذى به لا يكره وقال الشافعي : يكره تأذى به أو لم يتأذ ( احتج ) بما روي عن أخي صداء أنه قال : { بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالا إلى حاجة له فأمرني أن أؤذن فأذنت ، فجاء بلال وأراد أن يقيم ، فنهاه عن ذلك وقال : إن أخا صداء هو الذي أذن ومن أذن فهو الذي يقيم } .

                                                                                                                                ( ولنا ) ما روي أن عبد الله بن زيد { لما قص الرؤيا على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له : لقنها بلالا ، فأذن بلال ثم أمر النبي صلى الله عليه وسلم [ ص: 152 ] عبد الله بن زيد فأقام } .

                                                                                                                                وروي أن ابن أم مكتوم كان يؤذن وبلال يقيم ، وربما أذن بلال وأقام ابن أم مكتوم ، وتأويل ما رواه أن ذلك كان يشق عليه ; لأنه روي أنه كان حديث عهد بالإسلام ، وكان يحب الأذان والإقامة ( ومنها ) - أن يؤذن محتسبا ، ولا يأخذ على الأذان والإقامة أجرا ، ولا يحل له أخذ الأجرة على ذلك ; لأنه استئجار على الطاعة ، وذا لا يجوز ; لأن الإنسان في تحصيل الطاعة عامل لنفسه ، فلا يجوز له أخذ الأجرة عليه ، وعند الشافعي يحل له أن يأخذ على ذلك أجرا ، وهي من مسائل كتاب الإجارات ، وفي الباب حديث خاص وهو ما روي عن عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه أنه قال : آخر ما عهد إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أصلي بالقوم صلاة أضعفهم ، وأن أتخذ مؤذنا لا يأخذ عليه أجرا ، وإن علم القوم حاجته فأعطوه شيئا من غير شرط فهو حسن ; لأنه من باب البر والصدقة والمجازاة على إحسانه بمكانهم ، وكل ذلك حسن والله أعلم .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية