وأما الذي يؤتى به عند الخروج من الصلاة وهو التسليم فالكلام في صفة التسليم وقدره وكيفيته وحكمه قد ذكرناه فيما تقدم وههنا نذكر ، فمنها أن يبدأ بالتسليم عن اليمين ; لما روينا من الأحاديث ; ولأن لليمين فضلا على الشمال فكانت البداية بها أولى . سنن التسليم
ولو سلم أولا عن يساره أو سلم تلقاء وجهه ، روى الحسن عن أنه أبي حنيفة يسلم عن يمينه ولا يعيد التسليم عن يساره ، ولو سلم تلقاء وجهه سلم بعد ذلك عن يساره ، ومنها أن يبالغ في تحويل الوجه في التسليمتين إذا سلم عن يساره ; لما روي عن ويسلم عن يمينه حتى يرى بياض خده الأيمن وعن يساره حتى يرى بياض خده الأيسر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم { ابن مسعود } ولا يكون ذلك إلا عند شدة الالتفات . كان يحول وجهه في التسليمة الأولى حتى يرى بياض خده الأيمن أو قال خده الأيسر
ومنها ; لأن التسليم للخروج من الصلاة فلا بد من الإعلام ، ومنها أن أن يجهر بالتسليم إن كان إماما إن كان مقتديا في رواية عن يسلم مقارنا لتسليم الإمام كما في التكبير ، وفي رواية يسلم بعد تسليمه وهو قول أبي حنيفة أبي يوسف كما قالا في التكبير وقد مر الفرق ومحمد على إحدى الروايتين ، ومنها أن ينوي من يخاطبه بالتسليم ; لأن خطاب من لا ينوي خطابه لغو وسفه ثم لا يخلو إما إن كان إماما أو منفردا أو مقتديا فإن كان إماما ينوي بالتسليمة الأولى من على يمينه من الحفظة والرجال والنساء وبالتسليمة الثانية من على يساره منهم ، كذا ذكر في الأصل وأخر ذكر الحفظة في الجامع الصغير ، فمن مشايخنا من ظن أن في المسألة روايتين في رواية كتاب الصلاة يقدم الحفظة في النية ; لأن السلام خطاب فيبدأ بالنية الأقرب فالأقرب وهم الحفظة ثم الرجال ثم النساء ، وفي رواية الجامع الصغير يقدم البشر في النية استدلالا بالسلام في التشهد وهو قوله السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، قدم ذكر البشر على الملائكة إذ المراد بالصالحين الملائكة فكذا في السلام في آخر الصلاة ، ومنهم من قال : إن لأبي حنيفة كان يرى تفضيل الملائكة على البشر ثم رجع فرأى تفضيل البشر على الملائكة وهذا كله غير سديد ; لأن الكلام كله معطوف بعضه على بعض بحرف الواو وأنه لا يوجب الترتيب ; ولأن النية من عمل القلب وهي تنتظم الكل جملة بلا ترتيب ألا ترى أن من يسلم على جماعة لا يمكنه أن يرتب في النية فيقدم الرجال على الصبيان ؟ ثم اختلف المشايخ في كيفية نية الحفظة قال بعضهم : ينوي الكرام الكاتبين واحدا عن يمينه وواحدا عن يساره ، والصحيح أنه ينوي الحفظة عن يمينه وعن يساره ولا ينوي عددا ; لأن ذلك لا يعرف بطريق الإحاطة وكذا اختلفوا في كيفية نية الرجال والنساء قال بعضهم : ينوي من كان معه في الصلاة من المؤمنين والمؤمنات لا غير ، وكان أبا حنيفة الحاكم الشهيد يقول : ينوي جميع رجال العالم ونسائهم من المؤمنين والمؤمنات ، والأول أصح ; لأن التسليم خطاب وخطاب الغائب ممن لا يبقى خطابه وليس بخير من خطاب من يبقى خطابه غير صحيح ، وإن كان منفردا فعلى قول الأولين ينوي الحفظة لا غير وعلى قول الحاكم ينوي الحفظة وجميع البشر من أهل الإيمان .
وأما المقتدي فينوي ما ينوي الإمام ، وينوي أيضا إن كان على يمين الإمام ينويه في يساره وإن كان على يساره ينويه في يمينه وإن كان بحذائه فعند ينويه في يمينه ، وهكذا ذكر في بعض نسخ الجامع الصغير ; لأن لليمين فضلا على [ ص: 215 ] اليسار ، وروى أبي يوسف الحسن عن أنه ينويه في الجانبين جميعا ، وهكذا ذكر في بعض نسخ الجامع الصغير وهو قول أبي حنيفة ; لأن يمين الإمام عن يمين المقتدي ويساره عن يساره فكان له حظ في الجانبين فينويه في التسليمتين والله أعلم . محمد