الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                معلومات الكتاب

                                                                                                                                بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

                                                                                                                                الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ( فصل ) :

                                                                                                                                وأما القنوت فالكلام فيه في مواضع : في صفة القنوت ، ومحل أدائه ، ومقداره ودعائه ، وحكمه إذا فات عن محله .

                                                                                                                                أما الأول فالقنوت واجب عند أبي حنيفة وعندهما سنة ، والكلام فيه كالكلام في أصل الوتر .

                                                                                                                                وأما محل أدائه فالوتر في جميع السنة قبل الركوع عندنا ، وقد خالفنا الشافعي في المواضع الثلاثة فقال : يقنت في صلاة الفجر في الركعة الثانية بعد الركوع ولا يقنت في الوتر إلا في النصف الأخير من رمضان بعد الركوع ، واحتج في المسألة الأولى بما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان { يقنت في صلاة الفجر وكان يدعو على قبائل } ، ولنا ما روى ابن مسعود وجماعة من الصحابة رضي الله عنهم أن النبي صلى الله عليه وسلم { قنت في صلاة الفجر شهرا كان يدعو في قنوته على رعل وذكوان ويقول اللهم اشدد وطأتك على مضر واجعلها عليهم سنين كسني يوسف ثم تركه فكان منسوخا } دل عليه أنه روي أنه صلى الله عليه وسلم { كان يقنت في صلاة المغرب كما في صلاة الفجر } وذلك منسوخ بالإجماع ، وقال أبو عثمان النهدي صليت خلف أبي بكر وخلف عمر كذلك فلم أر أحدا منهما يقنت في صلاة الفجر واحتج في المسألة الثانية بما روي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما أمر أبي بن كعب بالإمامة في ليالي رمضان أمره بالقنوت في النصف الأخير منه ، ولنا ما روي عن عمر وعلي وابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهم أنهم قالوا { : راعينا صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالليل يقنت قبل الركوع } ولم يذكروا وقتا في السنة ، وتأويل ما رواه الشافعي أنه طول القيام بالقراءة ، وطول القيام يسمى قنوتا ; لأنه أراد به القنوت في الوتر وإنما حملناه على هذا ; لأن إمامة أبي بن كعب كانت بمحضر من الصحابة ولا يخفى عليهم حاله ، وقد روينا عنهم بخلافه ، واستدل في المسألة الثالثة بصلاة الفجر ، ثم قد صح في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم { أنه كان يقنت في صلاة الفجر بعد الركوع } فقاس عليه القنوت في الوتر ، ولنا ما روينا عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم { قنوت رسول الله صلى الله عليه وسلم في الوتر قبل الركوع } ، واستدلاله بصلاة الفجر غير سديد ; لأنه استدلال بالمنسوخ على ما مر .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية