( فصل ) : 
والكلام في الغسل يقع في مواضع : في بيان أنه واجب  ، وفي بيان كيفية وجوبه ، وفي بيان كيفية الغسل  ، وفي بيان شرائط وجوبه ، وفي بيان من يغسل ومن لا يغسل    . 
أما الأول فالدليل على وجوبه النص ، والإجماع ، والمعقول أما النص فما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال { للمسلم على المسلم ست حقوق   } وذكر من جملتها أن يغسله بعد موته وعلى : كلمة إيجاب . 
وروي أنه لما توفي آدم    - صلوات الله عليه - غسلته الملائكة ثم قالت لولده هذه سنة موتاكم ، والسنة المطلقة في معنى الواجب ، وكذا الناس توارثوا ذلك من لدن آدم  صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا فكان تاركه مسيئا لتركه السنة المتوارثة ، والإجماع منعقد على وجوبه . 
وأما المعقول فقد اختلفت فيه عبارات مشايخنا ، ذكر  محمد بن شجاع البلخي  أن الآدمي لا يتنجس بالموت  بتشرب الدم المسفوح في أجزائه كرامة له ; لأنه لو تنجس لما حكم بطهارته بالغسل كسائر الحيوانات التي حكم بنجاستها بالموت ، والآدمي يطهر بالغسل ، حتى روي عن  محمد  أن الميت لو وقع في البئر قبل الغسل يوجب تنجيس البئر . 
ولو وقع بعد الغسل لا يوجب تنجسه فعلم أنه لم يتنجس بالموت ولكن وجب غسله للحدث ; لأن الموت لا يخلو عن سابقة حدث لوجود استرخاء المفاصل ، وزوال العقل ، والبدن في حق التطهير لا يتجزأ فوجب غسله كله ، إلا أنا اكتفينا بغسل هذه الأعضاء الظاهرة حالة الحياة دفعا للحرج لغلبة وجود الحدث في كل وقت ، حتى إن خروج المني عن شهوة لما كان لا يكثر وجوده لم يكتف فيه إلا بالغسل ولا حرج بعد الموت فوجب غسل الكل . 
وعامة مشايخنا قالوا : إن بالموت يتنجس الميت لما فيه من الدم المسفوح كما يتنجس سائر الحيوانات التي لها دم سائل بالموت ، ولهذا لو وقع في البئر يوجب تنجسه إلا أنه إذا غسل يحكم بطهارته كرامة له فكانت الكرامة عندهم في  [ ص: 300 ] الحكم بالطهارة عند وجود السبب المطهر في الجملة ، وهو الغسل لا في المنع من حلول النجاسة ، وعند  البلخي  الكرامة في امتناع حلول النجاسة وحكمها ، وقول العامة أظهر ; لأن فيه عملا بالدليلين : إثبات النجاسة عند وجود سبب النجاسة ، والحكم بالطهارة عند وجود ما له أثر في التطهير في الجملة . 
ولا شك أن هذا في الجملة أقرب إلى القياس من منع ثبوت الحكم أصلا مع وجود السبب . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					