( وأما ) الذي هو في ابتداء الوضوء عندنا ، وعند ( فمنها ) النية هي فريضة ، والكلام في النية راجع إلى أصل ، وهو أن معنى القربة ، والعبادة غير لازم في الوضوء عندنا ، وعنده لازم ، ولهذا صح من الكافر عندنا خلافا له ، واحتج بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال { الشافعي } ، والإيمان عبادة فكذا شطره ، ولهذا كان التيمم عبادة ، حتى لا يصح بدون النية ، وأنه خلف عن الوضوء ، والخلف لا يخالف الأصل . الوضوء شطر الإيمان
( ولنا ) قوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم ، وأيديكم إلى المرافق ، وامسحوا برءوسكم ، وأرجلكم إلى الكعبين } أمر بالغسل ، والمسح مطلقا عن شرط النية ، ولا يجوز تقييد المطلق إلا بدليل .
وقوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة ، وأنتم سكارى ، حتى تعلموا ما تقولون ، ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا } نهى الجنب عن قربان الصلاة إذا لم يكن عابر سبيل إلى غاية الاغتسال مطلقا عن شرط النية ، فيقتضي انتهاء حكم النهي عند الاغتسال المطلق ، وعنده لا ينتهي إلا عند [ ص: 20 ] اغتسال مقرون بالنية ، وهذا خلاف الكتاب ; ولأن الأمر بالوضوء لحصول الطهارة لقوله تعالى في آخر آية الوضوء { ، ولكن يريد ليطهركم } ، وحصول الطهارة لا يقف على النية بل على استعمال المطهر في محل قابل للطهارة ، والماء مطهر لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال { } . خلق الماء طهورا لا ينجسه شيء إلا ما غير طعمه ، أو ريحه ، أو لونه
وقال الله تعالى { ، وأنزلنا من السماء ماء طهورا } والطهور اسم للطاهر ، في نفسه المطهر لغيره ، والمحل قابل على ما عرف ، وبه تبين أن الطهارة عمل الماء خلقة ، وفعل اللسان فضل في الباب ، حتى لو سال عليه المطر أجزأه عن الوضوء ، والغسل فلا يشترط لهما النية ، إذ اشتراطها لاعتبار الفعل الاختياري ، وبه تبين أن اللازم للوضوء معنى الطهارة ، ومعنى العبادة فيه من الزوائد ، فإن اتصلت به النية يقع عبادة ، وإن لم تتصل به لا يقع عبادة لكنه يقع ، وسيلة إلى إقامة الصلاة لحصول الطهارة كالسعي إلى الجمعة .
( وأما ) الحديث فتأويله أنه شطر الصلاة لإجماعنا على أنه ليس بشرط الإيمان ; لصحة الإيمان بدونه ، ولا شطره لأن الإيمان هو التصديق ، والوضوء ليس من التصديق في شيء ، فكان المراد منه أنه شطر الصلاة ; لأن الإيمان يذكر على إرادة الصلاة ; لأن قبولها من لوازم الإيمان ، قال الله تعالى { وما كان الله ليضيع إيمانكم } ، أي صلاتكم إلى بيت المقدس .
وهكذا نقول في التيمم أنه ليس بعبادة أيضا إلا أنه إذا لم تتصل به النية لا يجوز أداء الصلاة به ، لا لأنه عبادة ، بل لانعدام حصول الطهارة ; لأنه طهارة ضرورية جعلت طهارة عند مباشرة فعل لا صحة له بدون الطهارة فإذا عري عن النية لم يقع طهارة ، بخلاف الوضوء ; لأنه طهارة حقيقية ، فلا يقف على النية .