الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                معلومات الكتاب

                                                                                                                                بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

                                                                                                                                الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ( وأما ) الذي هو في أثناء الوضوء ( فمنها ) : المضمضة ، والاستنشاق وقال أصحاب الحديث منهم أحمد بن حنبل : وهما فرضان في الوضوء ، والغسل جميعا وقال الشافعي : سنتان فيهما جميعا فأصحاب الحديث احتجوا بمواظبته صلى الله عليه وسلم عليهما في الوضوء ، والشافعي يقول : الأمر بالغسل عن الجنابة يتعلق بالظاهر دون الباطن ، وداخل الأنف ، والفم من البواطن فلا يجب غسله .

                                                                                                                                ( ولنا ) أن الواجب في باب الوضوء غسل الأعضاء الثلاثة ، ومسح الرأس ، وداخل الأنف ، والفم ليس من جملتها أما ما سوى الوجه فظاهر ، وكذا الوجه ; لأنه اسم لما يواجه إليه عادة ، وداخل الأنف ، والفم لا يواجه إليه بكل حال ، فلا يجب غسله ، بخلاف باب الجنابة ; لأن الواجب هناك تطهير البدن بقوله تعالى { وإن كنتم جنبا فاطهروا } ، أي طهروا أبدانكم فيجب غسل ما يمكن غسله من غير حرج ظاهرا كان أو باطنا ، ومواظبة النبي صلى الله عليه وسلم عليهما في الوضوء دليل السنية دون الفرضية ، فإنه كان يواظب على سنن العبادات .

                                                                                                                                ( ومنها ) : الترتيب في المضمضة والاستنشاق ، وهو تقديم المضمضة على الاستنشاق ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يواظب على التقديم ( ومنها ) : إفراد كل واحد منهما بماء على حدة عندنا ، وعند الشافعي السنة الجمع بينهما بماء واحد بأن يأخذ الماء بكفه فيتمضمض ببعضه ، ويستنشق ببعضه ، واحتج بما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم { تمضمض ، واستنشق بكف واحد } .

                                                                                                                                ( ولنا ) أن الذين حكوا وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذوا لكل واحد منهما ماء جديدا ; ولأنهما عضوان منفردان فيفرد كل واحد منهما بماء على حدة كسائر الأعضاء ، وما رواه محتمل ، يحتمل أنه تمضمض ، واستنشق بكف واحد بماء واحد ، ويحتمل أنه فعل ذلك بماء على حدة فلا يكون حجة مع الاحتمال ، أو يرد المحتمل إلى المحكم - وهو ما ذكرنا - توفيقا بين الدليلين .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية