ومنها مأخوذ من الثوب الرث ، وهو الخلق ، والأصل فيه ما روي أن أن يكون مرتثا في شهادته وهو أن لا يخلق شهادته لما طعن حمل إلى بيته فعاش يومين ثم مات فغسل ، وكان شهيدا وكذا عمر حمل حيا بعد ما طعن ثم مات فغسل ، وكان شهيدا علي ، وعثمان أجهز عليه في مصرعه ، ولم يرتث فلم يغسل { ارتث فقال النبي صلى الله عليه وسلم : بادروا إلى غسل صاحبكم ، وسعد بن معاذ كي لا تسبقنا الملائكة بغسله ، كما سبقتنا بغسل سعد حنظلة } .
ولأن شهداء أحد ماتوا على مصارعهم ، ولم يرتثوا ، حتى روي أن الكأس كان يدار عليهم فلم يشربوا خوفا من نقصان الشهادة ، فإذا ارتث لم يكن في معنى شهداء أحد ، وهذا ; لأنه لما ارتث ، ونقل من مكانه يزيده النقل ضعفا ، ويوجب حدوث آلام لم تحدث لولا النقل ، والموت يحصل عقيب ترادف الآلام فيصير النقل مشاركا للجراحة في إثارة الموت .
ولو تم الموت بالنقل لسقط الغسل .
ولو تم بإيلام سوى الجرح لا يسقط فلا يسقط بالشك ; ولأن القتل لم يتمحض بالجرح بل حصل به وبغيره ، وهو النقل ، والجرح محظور ، والنقل مباح فلم يمت بسبب تمحض حراما فلم يصر في معنى شهداء أحد ، ثم المرتث من خرج عن صفة القتلى ، وصار إلى حال الدنيا بأن جرى عليه شيء من أحكامها ، أو وصل إليه شيء من منافعها .
وإذا عرف هذا فنقول ، أو تكلم بكلام طويل ، أو قام من مكانه ذلك ، أو تحول من مكانه إلى مكان آخر ، وبقي على مكانه ذلك حيا يوما كاملا ، أو ليلة كاملة ، وهو يعقل فهو مرتث . من حمل من المعركة حيا ثم مات في بيته ، أو على أيدي الرجال فهو مرتث ، وكذلك إذا أكل ، أو شرب ، أو باع أو ابتاع
وروي عن إذا بقي وقت صلاة كامل حتى صارت الصلاة دينا في ذمته ، وهو يعقل فهو مرتث ، وإن بقي مكانه لا يعقل فليس بمرتث ، وقال أبي يوسف : " إن بقي يوما فهو مرتث " . محمد
ولو أوصى [ ص: 322 ] كان ارتثاثا عند خلافا أبي يوسف ، وقيل : لا خلاف بينهما في الحقيقة فجواب لمحمد خرج فيما أبي يوسف ، وذلك يوجب الارتثاث بالإجماع ; لأن الوصية بأمور الدنيا من أحكام الدنيا ، ومصالحها فينقض ذلك معنى الشهادة ، وجواب إذا أوصى بشيء من أمور الدنيا محمول على ما إذا أوصى بشيء من أمور الآخرة ، وذلك لا يوجب الارتثاث بالإجماع كوصية محمد سعد بن الربيع ، وهو ما روي أنه { أحد ، ووضعت الحرب أوزارها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هل من رجل ينظر ما فعل سعد بن الربيع ؟ فنظر عبد الله بن عبد الرحمن من بني النجار رضي الله تعالى عنهم فوجده جريحا في القتلى ، وبه رمق فقال له : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرني أن أنظر ، في الأحياء أنت أم في الأموات ؟ فقال : أنا في الأموات فأبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم عني السلام ، وقل له : إن سعد بن الربيع يقول : جزاك الله عنا خير ما يجزى نبي عن أمته ، وأبلغ قومك عني السلام ، وقل لهم : إن يقول : لا عذر لكم عند الله تعالى أن يخلص إلى نبيكم ، وفيكم عين تطرف قال : ثم لم أبرح حتى مات فلم يغسل ، وصلي عليه سعدا } ، وذكر في الزيادات أنه إن ، أوصى بمثل وصية لما أصيب المسلمون يوم فليس بارتثاث ، والصلاة ارتثاث ; لأنها من أحكام الدنيا سعد بن معاذ ; لأنه ما نال شيئا من راحة الدنيا ، بخلاف ما إذا مرض في خيمته ، أو في بيته ; لأنه قد نال الراحة بسبب ما مرض فصار مرتثا ، ثم المرتث وإن لم يكن شهيدا في حكم الدنيا فهو شهيد في حق الثواب حتى إنه ينال ثواب الشهداء كالغريق ، والحريق ، والمبطون ، والغريب إنهم شهداء بشهادة الرسول صلى الله عليه وسلم لهم بالشهادة ، وإن لم يظهر حكم شهادتهم في الدنيا . ، ولو جر برجله من بين الصفين حتى تطؤه الخيول فمات لم يكن مرتثا