( فصل ) :
، وأما فأيام الرمي أربعة : يوم النحر ، وثلاثة أيام التشريق ، أما يوم النحر فأول ، وقت الرمي ، منه ما بعد طلوع الفجر ، الثاني من يوم النحر فلا يجوز قبل طلوعه ، وأول وقته المستحب ما بعد طلوع الشمس قبل الزوال ، وهذا عندنا ، وقال ، وقت الرمي إذا انتصف ليلة النحر دخل وقت الجمار كما قال في الوقوف الشافعي بعرفة ، ومزدلفة فإذا طلعت الشمس ، وجب ، وقال لا يجوز قبل طلوع الشمس ، والصحيح قولنا لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم { سفيان الثوري المزدلفة ، وقال صلى الله عليه وسلم لا ترموا جمرة العقبة حتى تكونوا مصبحين } نهى عن الرمي قبل الصبح . أنه قدم ضعفة أهله ليلة
وروي { بني عبد المطلب ، وكان يقول لهم لا ترموا جمرة العقبة حتى تكونوا مصبحين } . أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يلطح أفخاذ أغيلمة
فإن قيل قد روي أنه قال لا ترموا جمرة العقبة حتى تطلع الشمس ، وهذا حجة فالجواب أن ذلك محمول على بيان الوقت المستحب توفيقا بين الروايتين بقدر الإمكان ، وبه نقول إن المستحب ذلك . سفيان
وأما آخره فآخر النهار كذا قال إن وقت الرمي يوم النحر يمتد إلى غروب الشمس ، وقال أبو حنيفة يمتد إلى وقت الزوال فإذا زالت الشمس يفوت الوقت ، ويكون فيما بعده قضاء ، وجه قول أبو يوسف أن أوقات العبادة لا تعرف إلا بالتوقيف ، والتوقيف ورد بالرمي في يوم النحر قبل الزوال فلا يكون ما بعده وقتا له أداء كما في سائر أيام النحر ; لأنه لما جعل وقته فيها بعد الزوال لم يكن قبل الزوال وقتا له ، أبي يوسف الاعتبار بسائر الأيام ، وهو أن في سائر الأيام ما بعد الزوال إلى غروب الشمس وقت الرمي فكذا في هذا اليوم ; لأن هذا اليوم إنما يفارق سائر الأيام في ابتداء الرمي لا في انتهائه فكان مثل سائر الأيام في الانتهاء فكان آخره وقت الرمي كسائر الأيام ، فإن لم يرم حتى غربت الشمس فيرمي قبل طلوع الفجر من اليوم الثاني أجزأه ولا شيء عليه في قول أصحابنا ، ولأبي حنيفة فيه قولان ، في قول : إذا غربت الشمس فقد فات الوقت وعليه الفدية ، وفي قول : لا يفوت إلا في آخر أيام التشريق ، والصحيح قولنا لما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم { وللشافعي } ، ولا يقال إنه رخص لهم ذلك لعذر ; لأنا نقول ما كان لهم عذر ; لأنه كان يمكنهم أن يستنيب بعضهم بعضا فيأتي بالنهار فيرمي فثبت أن الإباحة كانت لعذر فيدل على الجواز مطلقا فلا يجب الدم ، فإن أخر الرمي حتى طلع الفجر من اليوم الثاني رمى ، وعليه دم للتأخير في قول أذن للرعاء أن يرموا بالليل ، وفي قول أبي حنيفة ، أبي يوسف لا شيء عليه ، والكلام فيه يرجع إلى أن الرمي مؤقت عنده ، وعندهما ليس بمؤقت ، وهو قول ومحمد ، وهو على الاختلاف الذي ذكرنا في طواف الزيارة في أيام النحر أنه مؤقت بها وجوبا عنده حتى يجب الدم بالتأخير عنها ، وعندهم ليس بمؤقت أصلا فلا يجب بالتأخير شيء ، والحجج من الجانبين ، وجواب الشافعي عن تعلقهما بالخبر ، والمعنى ما ذكرنا في الطواف ، والله أعلم . أبي حنيفة
( فصل ) :
وأما وقت الرمي من اليوم الأول والثاني من أيام التشريق ، وهو اليوم الثاني والثالث من أيام الرمي فبعد الزوال حتى لا يجوز الرمي فيهما قبل الزوال في الرواية المشهورة عن . أبي حنيفة
وروي عن أن الأفضل أن يرمي في اليوم الثاني والثالث بعد الزوال ، فإن رمى قبله جاز ، وجه هذه الرواية أن قبل الزوال وقت [ ص: 138 ] الرمي في يوم النحر فكذا في اليوم الثاني والثالث ; لأن الكل أيام النحر ، وجه الرواية المشهورة ما روي عن أبي حنيفة رضي الله عنه { جابر } ، وهذا باب لا يعرف بالقياس بل بالتوقيف ، فإن أخر الرمي فيهما إلى الليل فرمى قبل طلوع الفجر جاز ، ولا شيء عليه ; لأن الليل وقت الرمي في أيام الرمي لما روينا من الحديث فإذا رمى في اليوم الثاني من أيام التشريق بعد الزوال فأراد أن ينفر من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رمى الجمرة يوم النحر ضحى ، ورمى في بقية الأيام بعد الزوال منى إلى مكة ، وهو المراد من النفر الأول فله ذلك لقوله تعالى { فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه } أي من نفر إلى مكة بعدما رمى يومين من أيام التشريق ، وترك الرمي في اليوم الثالث فلا إثم عليه في تعجيله ، والأفضل أن لا يتعجل بل يتأخر إلى آخر أيام التشريق ، وهو اليوم الثالث منها فيستوفي الرمي في الأيام كلها ثم ينفر ، وهو المعني من النفر الثاني ، وذلك معنى قوله تعالى { ، ومن تأخر فلا إثم عليه } ، وفي ظاهر هذه الآية الشريفة إشكال من وجهين : أحدهما أنه ذكر قوله تعالى { فلا إثم عليه } في المتعجل ، والمتأخر جميعا ، وهذا إن كان يستقيم في حق المتعجل ; لأنه يترخص لا يستقيم في حق المتأخر ; لأنه أخذ بالعزيمة والأفضل ، والثاني أنه قال تعالى في المتأخر { فلا إثم عليه لمن اتقى } قيده بالتقوى ، وهذا التقييد بالمتعجل أليق ; لأنه أخذ بالرخصة ، ولم يذكر فيه هذا التقييد ، والجواب عن الإشكال الأول ما روي عن رضي الله عنه أنه قال في هذه الآية فمن تعجل في يومين غفر له ، ومن تأخر غفر له ابن عباس
وكذا روي عن رضي الله عنه أنه قال في قوله تعالى { ابن مسعود فلا إثم عليه } رجع مغفورا له ، وأما قوله تعالى { لمن اتقى } فهو بيان أن ما سبق من وعد المغفرة للمتعجل والمتأخر بشرط التقوى ، ثم من أهل التأويل من صرف التقوى إلى الاتقاء عن قتل الصيد في الإحرام أي لمن اتقى قتل الصيد في حال الإحرام ، وصرف أيضا قوله تعالى { واتقوا الله } أي فاتقوا الله ولا تستحلوا قتل الصيد في الإحرام ، ومنهم من صرف التقوى إلى الاتقاء عن المعاصي كلها في الحج ، وفيما بقي من عمره ، ويحتمل أن يكون المراد منه التقوى عما حظر عليه الإحرام من الرفث ، والفسوق ، والجدال ، وغيرها ، والله أعلم .
وإنما يجوز ما لم يطلع الفجر من اليوم الثاني فإذا طلع الفجر لم يجز له النفر . له النفر في اليوم الثاني والثالث
وأما وقت الرمي من اليوم الثالث من أيام التشريق ، وهو اليوم الرابع من أيام الرمي فالوقت المستحب له بعد الزوال ، ولو يجوز في قول رمى قبل الزوال ، وفي قول أبي حنيفة ، أبي يوسف لا يجوز ، واحتجا بما روي عن ومحمد رضي الله عنه { جابر } ، وأوقات المناسك لا تعرف قياسا فدل أن وقته بعد الزوال ، ولأن هذا يوم من أيام الرمي فكان وقت الرمي فيه بعد الزوال كاليوم الثاني والثالث من أيام التشريق ، أن النبي صلى الله عليه وسلم رمى الجمرة يوم النحر ضحى ، ورمى في بقية الأيام بعد الزوال ما روي عن ولأبي حنيفة رضي الله عنه أنه قال إذا افتتح النهار من آخر أيام التشريق جاز الرمي ، والظاهر أنه قاله سماعا من النبي صلى الله عليه وسلم إذ هو باب لا يدرك بالرأي ، والاجتهاد فصار اليوم الأخير من أيام التشريق مخصوصا من حديث ابن عباس رضي الله عنه بهذا الحديث أو يحمل فعله في اليوم الأخير على الاستحباب ، ولأن له أن ينفر قبل الرمي ، ويترك الرمي في هذا اليوم رأسا فإذا جاز له ترك الرمي أصلا فلأن يجوز له الرمي قبل الزوال أولى ، والله أعلم . جابر