وأما في عرف الشرع : فهو اسم لآفاقي يحرم بالعمرة ، ويأتي بأفعالها من الطواف والسعي ، أو يأتي بأكثر ركنها . المتمتع
وهو الطواف أربعة أشواط أو أكثر في أشهر الحج ، ثم يحرم بالحج في أشهر الحج ، ويحج من عامه ذلك قبل أن يلم بأهله فيما بين ذلك إلماما صحيحا ، فيحصل له النسكان في سفر واحد ، سواء حل من إحرام العمرة بالحلق أو التقصير ، أو لم يحل ، إذا كان ساق الهدي لمتعته فإنه لا يجوز التحلل بينهما .
ويحرم بالحج قبل أن يحل من إحرام العمرة ، وهذا عندنا .
وقال سوق الهدي لا يمنع من التحلل فصار الشافعي : : متمتع لم يسق الهدي ، المتمتع نوعين فالذي لم يسق الهدي يجوز له التحلل إذا فرغ من أفعال العمرة بلا خلاف ، وإذا تحلل صار حلالا كسائر المتحللين إلى أن يحرم بالحج ; لأنه إذا تحلل من العمرة فقد خرج منها ، ولم يبق عليه شيء فيقيم ومتمتع ساق الهدي بمكة حلالا أي لا يلم بأهله ; لأن الإلمام بالأهل يفسد التمتع .
وأما الذي ساق الهدي ، فإنه لا يحل له التحلل إلا يوم النحر بعد الفراغ من الحج عندنا ، وعند يحل له التحلل ، وسوق الهدي لا يمنع من التحلل ، والصحيح قولنا لما روي عن الشافعي رضي الله عنه { أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم مكة أمر أصحابه أن يحلقوا إلا من كان معه الهدي } ، وفي حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { أسماء } . من كان معه هدي فليقم على إحرامه ومن لم يكن معه هدي فليحلق
وروي { } . أنه لما أمر أصحابه أن يحلقوا قالوا له : إنك لم تحل ، فقال : إني سقت الهدي فلا أحل من إحرامي إلى يوم النحر
وقال : صلى الله عليه وسلم { } فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الذي منعه من الحل سوق الهدي ، ولأن لسوق الهدي أثرا في الإحرام حتى يصير به داخلا في الإحرام ، فجاز أن يكون له أثر في حال البقاء حتى يمنع من التحلل ، وسواء كان إحرامه للعمرة في أشهر الحج أو قبلها عندنا ، بعد أن يأتي بأفعال العمرة أو ركنها أو بأكثر الركن في الأشهر أنه يكون متمتعا . لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدي وتحللت كما أحلوا
وعند شرط كونه متمتعا : الإحرام بالعمرة في الأشهر ، حتى لو أحرم بها قبل الأشهر لا يكون متمتعا ، وإن أتى بأفعالها في الأشهر ، والكلام فيه بناء على أصل قد ذكرناه فيما تقدم ، وهو أن الإحرام عنده ركن فكان من أفعال العمرة ، فلا بد من وجود أفعال العمرة في أشهر الحج ، ولم يوجد بل وجد بعضها في الأشهر . الشافعي
وعندنا ليس بركن ، بل هو شرط فتوجد [ ص: 169 ] أفعال العمرة في الأشهر فيكون متمتعا ، وليس لأهل مكة ، ولا لأهل داخل المواقيت التي بينها وبين مكة : قران ولا تمتع .
وقال : يصح قرانهم وتمتعهم . الشافعي
وجه قوله قوله تعالى : { فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي } من غير فصل بين أهل مكة وغيرهم ، ولنا قوله تعالى : { المسجد الحرام ذلك لمن لم يكن أهله حاضري } جعل التمتع لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام على الخصوص ; لأن اللام للاختصاص ثم حاضرو المسجد الحرام هم أهل مكة وأهل الحل الذين منازلهم داخل المواقيت الخمسة .
وقال : هم أهل مالك مكة خاصة ; لأن معنى الحضور لهم .
وقال : هم أهل الشافعي مكة .
ومن كان بينه وبين مكة مسافة لا تقصر فيها الصلاة ; لأنه إذا كان كذلك كان من توابع مكة ، وإلا فلا ، والصحيح قولنا ; لأن الذين هم داخل المواقيت الخمسة منازلهم من توابع مكة ، بدليل أنه يحل لهم أن يدخلوا مكة لحاجة بغير إحرام ، فكانوا في حكم حاضري المسجد الحرام .
وروي عن رضي الله عنه أنه قال : ليس لأهل ابن عمر مكة تمتع ، ولا قران ، ولأن دخول العمرة في أشهر الحج ثبت رخصة لقوله تعالى : { الحج أشهر معلومات } قيل في بعض وجوه التأويل : أي للحج أشهر معلومات ، واللام للاختصاص فيقتضي اختصاص هذه الأشهر بالحج ، وذلك بأن لا يدخل فيها غيره إلا أن العمرة دخلت فيها رخصة للآفاقي ضرورة تعذر إنشاء السفر للعمرة نظرا له بإسقاط أحد السفرين ، وهذا المعنى لا يوجد في حق أهل مكة .
ومن بمعناهم فلم تكن العمرة مشروعة في أشهر الحج في حقهم .
وكذا روي عن ذلك الصحابي أنه قال : كنا نعد العمرة في أشهر الحج من أكبر الكبائر ثم رخص ، والثابت بطريق الرخصة يكون ثابتا بطريق الضرورة ، والضرورة في حق أهل الآفاق لا في حق أهل مكة على ما بينا ، فبقيت العمرة في أشهر الحج في حقهم معصية ، ولأن من شرط التمتع أن تحصل العمرة والحج للمتمتع في أشهر الحج من غير أن يلم بأهله فيما بينهما .
وهذا لا يتحقق في حق المكي ; لأنه يلم بأهله فيما بينهما لا محالة فلم يوجد شرط التمتع في حقه .
ولو فعليه دم ، لكن دم كفارة الذنب لا دم نسك ، شكرا للنعمة عندنا حتى لا يباح له أن يأكل منه ، ولا يقوم الصوم مقامه إذا كان معسرا ، وعنده هو دم نسك ، يجوز له أن يأكل منه ، ويقوم الصوم مقامه إذا لم يجد الهدي . جمع المكي بين العمرة والحج في أشهر الحج
ولو مكة محرما بالعمرة ، وهو يريد التمتع فينبغي أن يقيم محرما حتى تدخل أشهر الحج فيأتي بأفعال العمرة ، ثم يحرم بالحج ويحج من عامه ذلك فيكون متمتعا ، فإن أتى بأفعال العمرة أو بأكثرها قبل أشهر الحج ثم دخل أشهر الحج فأحرم بالحج وحج من عامه ذلك ، لم يكن متمتعا ; لأنه لم يتم له الحج والعمرة في أشهر الحج . أحرم الآفاقي بالعمرة قبل أشهر الحج فدخل
ولو أحرم بعمرة أخرى بعد ما دخل أشهر الحج لم يكن متمتعا في قولهم جميعا ; لأنه صار في حكم أهل مكة بدليل أنه صار ميقاتهم ميقاته ، فلا يصح له التمتع إلا أن يعود إلى أهله ثم يعود إلى مكة محرما بالعمرة في قول ، وفي قولهما : إلا أن يعود إلى أهله أو إلى موضع يكون لأهله التمتع والقران على ما نذكر . أبي حنيفة
ولو أحرم من لا تمتع له من المكي ونحوه بعمرة ، ثم أحرم بحجة يلزمه رفض أحدهما ; لأن الجمع بينهما معصية ، والنزوع عن المعصية لازم ثم ينظر : إن أحرم بعمرة ثم أحرم بحجة قبل أن يطوف لعمرته رأسا فإنه يرفض العمرة ; لأنها أقل عملا ، والحج أكثر عملا فكانت العمرة أخف مؤنة من الحجة فكان رفضها أيسر ، ولأن المعصية حصلت بسببها ; لأنها هي التي دخلت في وقت الحج فكانت أولى بالرفض ، ويمضي على حجته ، وعليه لرفض عمرته دم ، وعليه قضاء العمرة لما نذكر ، وإن كان طاف لعمرته جميع الطواف أو أكثره لا يرفض العمرة ، بل يرفض الحج ; لأن العمرة مؤداة ، والحج غير مؤدى فكان رفض الحج امتناعا عن الأداء ، ورفض العمرة إبطالا للعمل ، والامتناع عن العمل دون إبطال العمرة فكان أولى ، وإن كان طاف لها شوطا أو شوطين أو ثلاثة يرفض الحج في قول ، وفي قول أبي حنيفة ، أبي يوسف يرفض العمرة . ومحمد
وجه قولهما أن رفض العمرة أدنى ، وأخف مؤنة ، ألا ترى أنها سميت الحجة الصغرى فكانت أولى بالرفض ، ولا عبرة بالقدر المؤدى منها ; لأنه أقل ، والأكثر غير مؤدى ، والأقل بمقابلة الأكثر ملحق بالعدم فكأنه لم يؤد شيئا منها ، والله أعلم .
أن رفض الحجة امتناع من العمل ، ورفض العمرة إبطال للعمل ، والامتناع دون الإبطال فكان أولى ، وبيان ذلك أنه لم يوجد للحج عمل ; لأنه لم يوجد له إلا الإحرام ، وأنه ليس من [ ص: 170 ] الأداء في شيء ; لأنه شرط وليس بركن عندنا على ما بينا فيما تقدم ، فلا يكون رفض الحج إبطالا للعمل بل يكون امتناعا ، فأما العمرة فقد أدى منها شيئا وإن قل ، وكان رفضها إبطالا لذلك القدر من العمل ، فكان الامتناع أولى لما قلنا ، وإذا رفض الحجة عنه فعليه لرفضها دم ، وقضاء حجة ، وعمرة ، وإذا رفض العمرة عندهما فعليه لرفضها دم وقضاء عمرة ، والأصل في جنس هذه المسائل أن كل من لزمه رفض عمرة فرفضها ، فعليه لرفضها دم ; لأنه تحلل منها قبل وقت التحلل ، فيلزمه الدم كالمحصر ، وعليه عمرة مكانها قضاء ; لأنها قد وجبت عليه بالشروع ، فإذا أفسدها يقضيها . ولأبي حنيفة
وكل من لزمه رفض حجة فرفضها فعليه لرفضها دم ، وعليه حجة وعمرة أما لزوم الدم لرفضها فلما ذكرنا في العمرة .
وأما لزوم الحجة والعمرة ، فأما الحجة فلوجوبها بالشروع ، وأما العمرة فلعدم إتيانه بأفعال الحجة في السنة التي أحرم فيها فصار كفائت الحج ، فيلزمه العمرة كما يلزم فائت الحج ، فإن أحرم بالحجة من سنته فلا عمرة عليه ، وكل من لزمه رفض أحدهما فمضى فيها فعليه دم ; لأن الجمع بينهما معصية فقد أدخل النقص في أحدهما فيلزمه دم ، لكنه يكون دم كفارة لا دم متعة ، حتى لا يجوز له أن يأكل منه ، ولا يجزئه الصوم إن كان معسرا .
ومما يتصل بهذه المسائل ما إذا ، قال أحرم بحجتين معا أو بعمرتين معا أبو حنيفة : لزمتاه جميعا . وأبو يوسف
وقال : لا يلزمه إلا إحداهما ، وبه أخذ محمد . الشافعي
وجه قول أنه إذا أحرم بعبادتين لا يمكنه المضي فيهما جميعا ، فلا ينعقد إحرامه بهما جميعا ، كما لو أحرم بصلاتين أو صومين ، بخلاف ما إذا أحرم بحجة وعمرة ; لأن المضي فيهما ممكن فيصح إحرامه بهما كما لو نوى صوما وصلاة ، محمد ولأبي حنيفة أنه أحرم بما يقدر عليه في وقتين ، فيصح إحرامه كما لو أحرم بحجة وعمرة معا ، وثمرة هذا الاختلاف تظهر في وجوب الجزاء ، إذا قتل صيدا عندهما يجب جزاءان لانعقاد الإحرام بهما جميعا . وأبي يوسف
وعنده يجب جزاء واحد لانعقاد الإحرام بإحداهما ، ثم اختلف أبو حنيفة في وقت ارتفاض إحداهما عند وأبو يوسف يرتفض عقيب الإحرام بلا فصل ، وعن أبي يوسف روايتان : في الرواية المشهورة عنه يرتفض إذا قصد أبي حنيفة مكة ، وفي رواية لا يرتفض حتى يبتدئ بالطواف .
ولو مكة وأحرم بالحج ، وحج من عامه ذلك : لم يكن متمتعا حتى لا يلزمه الهدي بل يكون مفردا بعمرة ، ومفردا بحجة ; لأنه ألم بأهله بين الإحرامين إلماما صحيحا ، وهذا يمنع التمتع . أحرم الآفاقي بالعمرة فأداها في أشهر الحج وفرغ منها ، وحل من عمرته ، ثم عاد إلى أهله حلالا ، ثم رجع إلى
وقال : لا أعرف الإلمام ، ونحن نقول : إن كنت لا تعرف معناه لغة فمعناه في اللغة القرب ، يقال : ألم به أي قرب منه . الشافعي
وإن كنت لا تعرف حكمه شرعا ، فحكمه أن يمنع التمتع لما روي عن ، عمر رضي الله عنهما أن المتمتع إذا أقام وابن عمر : بمكة صح تمتعه ، وإن عاد إلى أهله بطل تمتعه
وكذا روي عن جماعة من التابعين مثل ، سعيد بن المسيب ، وسعيد بن جبير ، وإبراهيم النخعي ، وطاوس رضي الله عنهم أنهم قالوا كذلك ، ومثل هذا لا يعرف رأيا واجتهادا ، فالظاهر سماعهم ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأن التمتع في حق الآفاقي ثبت رخصة ليجمع بين النسكين ، ويصل أحدهما بالآخر في سفر واحد من غير أن يتخلل بينهما ما ينافي النسك ، وهو الارتفاق ، ولما ألم بأهله فقد حصل له مرافق الوطن فبطل الاتصال ، والله تعالى أعلم . وعطاء