وأما مكان ذبح الهدي فالحرم عندنا .
وقال : : له أن يذبح في الموضع الذي أحصر فيه ، احتج بما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نحر الهدي عام الشافعي الحديبية ، ولم يبلغنا أنه نحر في الحرم ; ولأن التحلل بالهدي ثبت رخصة وتيسيرا .
وذلك في الذبح في أي موضع كان ولنا قوله تعالى { ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله } ولو كان كل موضع محلا له لم يكن لذكر المحل فائدة ، ولأنه عز وجل قال : { ثم محلها إلى البيت العتيق } أي : إلى البقعة التي فيها البيت .
بخلاف قوله تعالى { وليطوفوا بالبيت العتيق } أن المراد منه نفس البيت ; لأن هناك ذكر بالبيت وههنا ذكر إلى البيت .
وأما ما روي من الحديث فقد روي في رواية أخرى أنه نحر هديه عام الحديبية في الحرم ، فتعارضت الروايات ، فلم يصح الاحتجاج به .
وعن رضي الله عنهما { ابن عباس الحديبية فحال المشركون بينه وبين دخول مكة فجاء [ ص: 180 ] يعرض عليه الصلح وأن يسوق البدن وينحر حيث شاء ، فصالحه رسول الله صلى الله عليه وسلم سهيل بن عمرو } ولا يحتمل أن ينحر رسول الله صلى الله عليه وسلم بدنه في الحل مع إمكان النحر في أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل الحرم ، وهو بقرب الحرم بل هو فيه .
وروي عن مروان والمسور بن مخرمة قالا : { نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحديبية في الحل وكان يصلي في الحرم ، } فهذا يدل على أنه كان قادرا على أن ينحر بدنه في الحرم حيث كان يصلي في الحرم ، ولا يحتمل أن يترك نحر البدن في الحرم ، وله سبيل النحر في الحرم ; ولأن الحديبية مكان يجمع الحل والحرم جميعا ، فلا يحتمل أن ينحر في الحل مع كونه قادرا على النحر في الحرم ، ولو الحرم ثم ظهر أنهم ذبحوا في غير الحرم فهو على إحرامه ، ولا يحل منه إلا بذبح الهدي في حل من إحرامه على ظن أنهم ذبحوا عنه في الحرم لفقد شرط التحلل ، وهو : الذبح في الحرم ، فبقي محرما كما كان وعليه لإحلاله في تناوله محظورات إحرامه دم لما قلنا .
وكذلك لو بعث الهدي وواعدهم أن يذبحوا عنه في الحرم في يوم بعينه ، ثم حل من إحرامه على ظن أنهم ذبحوا عنه فيه ، ثم تبين أنهم لم يذبحوا ، فإنه يكون محرما لما قلنا .
ولو بعث هديين وهو مفرد فإنه يحل من إحرامه بذبح الأول منهما ، ويكون الآخر تطوعا لوجود شرط الحل عند وجود ذبح الأول منهما .
ولو كان قارنا لا يحل إلا بذبحهما ولا يحل بذبح الأول ; لأن شرط الحل في حقه الزمان ، فما لم يوجدا لا يحل .