تصغير ذا وتا وجمعهما : أهل الكوفة يسمون ذا وتا وتلك وذلك وهذا وهذه وهؤلاء والذي والذين والتي واللاتي - حروف المثل ، وأهل البصرة يسمونها حروف الإشارة والأسماء المبهمة ، فقالوا في تصغير هذا : ذيا ، مثل تصغير ذا ؛ لأن ها تنبيه وذا إشارة وصفة ومثال لاسم من تشير إليه .
فقالوا : وتصغير ذلك ذيا ، وإن شئت ذيالك ، فمن قال : ذيا زعم أن اللام ليست بأصلية لأن معنى ذلك ذاك ، والكاف كاف المخاطب ، ومن قال : ذيالك صغر على اللفظ ، وتصغير تلك تيا وتيالك ، وتصغير هذه تيا ، وتصغير أولئك أوليا ، وتصغير هؤلاء هؤليا .
قال : وتصغير اللاتي مثل تصغير التي وهي اللتيا ، وتصغير اللاتي اللويا ، وتصغير الذي اللذيا ، والذين اللذيون .
وقال : يقال للجماعة التي واحدتها مؤنثة : اللاتي واللائي ، والجماعة التي واحدها مذكر : اللائي ، ولا يقال : اللاتي إلا للتي واحدتها مؤنثة ، يقال : هن اللاتي فعلن كذا وكذا واللائي فعلن كذا ، وهم الرجال اللائي واللاءون فعلوا كذا وكذا ؛ وأنشد أبو العباس أحمد بن يحيى الفراء :
هم اللاءون فكوا الغل عني بمرو الشاهجان وهم جناحي
وفي التنزيل العزيز : واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم وقال في موضع آخر : واللائي لم يحضن ، ومنه قول الشاعر :
من اللاء لم يحججن يبغين حسبة ولكن ليقتلن البريء المغفلا
وقال العجاج :
بعد اللتيا واللتيا والتي إذا علتها أنفس تردت
يقال منه : لقي منه اللتيا والتي إذا لقي منه الجهد والشدة ؛ أراد بعد عقبة من عقاب الموت منكرة ، إذا أشرفت عليها النفس تردت ، أي : هلكت ؛ وقبله :
إلى أمار وأمار مدتي دافع عني بنقير موتتي
بعد اللتيا واللتيا والتي إذا علتها أنفس تردت
فارتاح ربي وأراد رحمتي ونعمة أتمها فتمت
وقال الليث : الذي تعريف لذ ولذي ، فلما قصرت قووا اللام بلام أخرى ، ومن العرب من يحذف الياء فيقول هذا اللذ فعل ، كذا بتسكين الذال ؛ وأنشد :
كاللذ تزبى زبية فاصطيدا
وللاثنين هذان اللذان ، وللجمع هؤلاء الذين ، قال : ومنهم من يقول : هذان اللذا ، فأما الذين أسكنوا الذال ، وحذفوا الياء التي بعدها فإنهم لما أدخلوا في الاسم لام المعرفة طرحوا الزيادة التي بعد الذال وأسكنت الذال ، فلما ثنوا حذفوا النون ، فأدخلوا على الاثنين لحذف النون ما أدخلوا على الواحد بإسكان الذال .
وكذلك الجمع ، فإن قال قائل : ألا قالوا اللذو في الجمع بالواو ؟ فقل : الصواب في القياس ذلك ولكن العرب اجتمعت على الذي بالياء ، والجر والنصب والرفع سواء ؛ وأنشد :
وإن الذي حانت بفلج دماؤهم هم القول كل القوم يا أم خالد
وقال الأخطل :
أبني كليب إن عمي اللذا قتلا الملوك وفككا الأغلالا
وكذلك يقولون : اللتا والتي ؛ وأنشد :
هما اللتا أقصدني سهماهما
وقال الخليل فيما رواه وسيبويه أبو إسحاق لهما ، إنهما قالا : الذين لا يظهر فيها الإعراب ، تقول في النصب والرفع والجر : أتاني الذين في [ ص: 8 ] الدار ، ورأيت الذين ، ومررت بالذين في الدار ، وكذلك الذي في الدار .
قالا : وإنما منعا الإعراب لأن الإعراب إنما يكون في أواخر الأسماء ، والذي والذين مبهمان لا يتمان إلا بصلاتهما فلذلك منعا الإعراب ، وأصل الذي لذ ، فاعلم ، على وزن عم .
فإن قال قائل : فما بالك تقول : أتاني اللذان في الدار ، ورأيت اللذين في الدار فتعرب ما لا يعرب في الواحد في تثنيته ، نحو هذان وهذين وأنت لا تعرب هذا ولا هؤلاء ؟
فالجواب في ذلك : أن جميع ما لا يعرب في الواحد مشبه بالحرف الذي جاء لمعنى ، فإن ثنيته فقد بطل شبه الحرف الذي جاء لمعنى لأن حروف المعاني لا تثنى .
فإن قال قائل : فلم منعته الإعراب في الجمع ؟
قلت : لأن الجمع ليس على حد التثنية كالواحد ، ألا ترى أنك تقول في جمع هذا هؤلاء يا فتى ؟
فجعلته اسما للجمع فتبنيه كما بنيت الواحد ، ومن جمع الذين على حد التثنية قال : جاءني اللذون في الدار ، ورأيت الذين في الدار ، وهذا لا ينبغي أن يقع لأن الجمع يستغنى فيه عن حد التثنية ، والتثنية ليس لها إلا ضرب واحد .
ثعلب عن : الألى في معنى الذين ؛ وأنشد : ابن الأعرابي
فإن الألى بالطف من آل هاشم
قال : قال ابن الأنباري ابن قتيبة في قوله عز وجل : مثلهم كمثل الذي استوقد نارا معناه : كمثل الذين استوقدوا نارا ، فالذي قد يأتي مؤديا عن الجمع في بعض المواضع ؛ واحتج بقوله :
إن الذي حانت بفلج دماؤهم
قال أبو بكر : احتجاجه على الآية بهذا البيت غلط لأن الذي في القرآن اسم واحد ربما أدى عن الجمع فلا واحد له ، والذي في البيت جمع واحده اللذ ، وتثنيته اللذا ، وجمعه الذي ، والعرب تقول : جاءني الذي تكلموا ، وواحد الذي اللذ ؛ وأنشد : .
يا رب عبس لا تبارك في أحد في قائم منهم ولا فيمن قعد
إلا الذي قاموا بأطراف المسد
قال أبو بكر : والذي في القرآن واحد ليس له واحد ، والذي في البيت جمع له واحد ؛ وأنشد الفراء :
فكنت والأمر الذي قد كيدا كاللذ تزبى زبية فاصطيدا
وقال الأخطل :
أبني كليب إن عمي اللذا قتلا الملوك وفككا الأغلالا
قال : والذي يكون مؤديا عن الجمع وهو واحد لا واحد له في مثل قول الناس : أوصي بمالي للذي غزا وحج ؛ معناه : للغازين والحجاج .
وقال الله تعالى : ثم آتينا موسى الكتاب تماما على الذي أحسن .
قال الفراء : معناه : تماما للمحسنين أي : تماما للذين أحسنوا ، يعني : أنه تمم كتبهم بكتابه ، ويجوز أن يكون المعنى تماما على ما أحسن أي : تماما للذي أحسنه من العلم وكتب الله القديمة ، قال : ومعنى قوله تعالى : كمثل الذي استوقد نارا .
أي : مثل هؤلاء المنافقين كمثل رجل كان في ظلمة يبصر من أجلها ما عن يمينه وشماله وورائه وبين يديه ، وأوقد نارا فأبصر بها ما حوله من قذى وأذى ، فبينا هو كذلك طفئت ناره فرجع إلى ظلمته الأولى ، فكذلك المنافقون كانوا في ظلمة الشرك ثم أسلموا فعرفوا الخير والشر بالإسلام ، كما عرف المستوقد لما طفئت ناره ورجع إلى أمره الأول .