ذكر إسكان آدم  الجنة وإخراجه منها  
فلما ظهر للملائكة من معصية إبليس وطغيانه ما كان مستترا عنهم وعاتبه الله على معصيته بتركه السجود لآدم  ، فأصر على معصيته وأقام على غيه ، لعنه الله وأخرجه من الجنة وطرده منها وسلبه ما كان إليه من ملك سماء الدنيا والأرض وخزن الجنة ، فقال الله له : فاخرج منها فإنك رجيم  وإن عليك اللعنة إلى يوم الدين  ، وأسكن آدم  الجنة . 
قال   ابن عباس  ،   وابن مسعود     : فلما أسكن آدم  الجنة كان يمشي فيها فردا ليس له زوج يسكن إليها ، فنام نومة واستيقظ فإذا عند رأسه امرأة قاعدة خلقها الله من ضلعه ، فسألها ، فقال : من أنت ؟ قالت : امرأة . قال : ولم خلقت ؟ قالت : لتسكن إلي . قالت له الملائكة لينظروا مبلغ علمه : ما اسمها ؟ قال : حواء    . قالوا : ولم سميت حواء  ؟ قال : لأنها خلقت من حي . وقال الله له : ياآدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما    . 
وقال   ابن إسحاق  فيما بلغه عن أهل الكتاب وغيرهم ، منهم   عبد الله بن عباس  قال : ألقى الله تعالى على آدم  النوم وأخذ ضلعا من أضلاعه من شقه الأيسر ولأم مكانه لحما وخلق منه حواء  وآدم  نائم ، فلما استيقظ رآها إلى جنبه ، فقال : لحمي ، ودمي ، وروحي ، فسكن إليها ، فلما زوجه الله تعالى وجعل له سكنا من نفسه ، قال له : ياآدم اسكن أنت وزوجك الجنة  ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين    . وعن  مجاهد  ،  وقتادة  مثله   . 
فلما أسكن الله آدم  وزوجته الجنة أطلق لهما أن يأكلا كل ما أرادا من كل ثماره غير ثمرة شجرة واحدة ، ابتلاء منه لهما وليمضي قضاؤه فيهما وفي ذريتهما . فوسوس لهما الشيطان . وكان سبب وصوله إليهما أنه أراد دخول الجنة فمنعته الخزنة ، فأتى كل دابة من دواب الأرض   [ ص: 32 ] وعرض نفسه عليها أنها تحمله حتى يدخل الجنة ليكلم آدم  وزوجته . فكل الدواب أبى عليه حتى أتى الحية ، وقال لها : أمنعك من ابن آدم  ، فأنت في ذمتي إن أنت أدخلتني ، فجعلته بين نابين من أنيابها ، ثم دخلت به ، وكانت كاسية على أربع قوائم من أحسن دابة خلقها الله كأنها بختية ، فأعراها الله وجعلها تمشي على بطنها . 
قال   ابن عباس     : اقتلوها حيث وجدتموها واخفروا ذمة عدو الله فيها   . 
فلما دخلت الحية الجنة خرج إبليس من فيها فناح عليهما نياحة أحزنتهما حين سمعاها ، فقالا له : ما يبكيك ؟ قال : أبكي عليكما تموتان فتفارقان ما أنتما فيه من النعمة والكرامة . فوقع ذلك في أنفسهما . ثم أتاهما فوسوس لهما وقال : يا آدم  هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى ، وقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين  وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين  أن تكونا ملكين ، أو تخلدان إن لم تكونا ملكين في نعمة الجنة . يقول الله تعالى : فدلاهما بغرور    . وكان انفعال حواء  لوسوسته أعظم ، فدعاها آدم  لحاجته . فقالت : لا ، إلا أن تأتي ههنا . فلما أتى قالت : لا ! إلا أن تأكل من هذه الشجرة ، وهي الحنطة . قال : فأكلا منها ، فبدت لهما سوءاتهما ، وكان لباسهما الظفر ، فطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة ، قيل : كان ورق التين ، وكانت الشجرة من أكل منها أحدث . وذهب آدم  هاربا في الجنة ، فناداه ربه : أن يا آدم  مني تفر ؟ قال : لا يا رب ، ولكن حياء منك . فقال : يا آدم  ، من أين أتيت ؟ قال : من قبل حواء  يا رب . فقال الله : فإن علي أن أدميها في كل شهر وأن أجعلها سفيهة ، وقد كنت خلقتها حليمة ، وأن أجعلها تحمل كرها وتضع كرها وتشرف على الموت مرارا ، قد كنت جعلتها تحمل يسرا وتضع يسرا ، ولولا بليتها لكان النساء لا يحضن ، ولكن حليمات ولكن يحملن يسرا ، ويضعن يسرا . 
وقال الله تعالى له : لألعنن الأرض التي خلقت منها لعنة يتحول بها ثمارها شوكا . ولم يكن في الجنة ولا في الأرض شجرة أفضل من الطلح والسدر . 
 [ ص: 33 ] وقال للحية : دخل الملعون في جوفك حتى غر عبدي ، ملعونة أنت لعنة يتحول بها قوائمك في بطنك ، ولا يكون لك رزق إلا التراب . أنت عدوة بني آدم  وهم أعداؤك ، حيث لقيت واحدا منهم أخذت بعقبه وحيث لقيك شدخ رأسك ، اهبطوا بعضكم لبعض عدو : آدم  ، وإبليس ، والحية . فأهبطهم إلى الأرض ، وسلب الله آدم  وحواء  كل ما كانا فيه من النعمة ، والكرامة . 
قيل : كان   سعيد بن المسيب  يحلف بالله ما أكل آدم  من الشجرة وهو يعقل ، ولكن سقته حواء  الخمر حتى سكر فلما سكر قادته إليها فأكل   . 
قلت : والعجب من  سعيد  كيف يقول هذا والله يقول في صفة خمر الجنة لا فيها غول    . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					