وكان أول ذلك قتل قابيل بن آدم أخاه هابيل ، وأهل العلم مختلفون في اسم قابيل ، فبعضهم يقول : قين ، وبعضهم يقول : قائين ، وبعضهم يقول قاين ، وبعضهم يقول : قابيل .
واختلفوا أيضا في سبب قتله ، فقيل : كان سببه أن آدم كان يغشى حواء في الجنة قبل أن يصيب الخطيئة فحملت له فيها بقابيل بن آدم وتوأمته ، فلم تجد عليهما وحما ، ولا وصبا ، ولم تجد عليهما طلقا حين ولدتهما ولم تر معهما دما لطهر الجنة ، فلما أكلا من الشجرة ، وهبطا إلى الأرض فاطمأنا بها تغشاها فحملت بهابيل ، وتوأمته ، فوجدت عليهما الوحم ، والوصب ، والطلق حين ولدتهما ، ورأت معهما الدم ، وكانت حواء فيما يذكرون لا تحمل إلا توأما ذكرا وأنثى ، فولدت حواء لآدم أربعين ولدا لصلبه من ذكر وأنثى في عشرين بطنا ، وكان الولد منهم أي أخواته شاء تزوج إلا توأمته التي تولد معه ، فإنها لا تحل له ، وذلك أنه لم يكن يومئذ نساء إلا أخواتهم ، وأمهم حواء ، فأمر آدم ابنه قابيل أن ينكح توأمة هابيل ، وأمر هابيل أن ينكح توأمة أخيه قابيل .
وقيل : بل كان آدم غائبا ، وكان لما أراد السير قال للسماء : احفظي ولدي بالأمانة ، فأبت ، وقال للأرض فأبت ، وللجبال فأبت ، وقال لقابيل ، فقال : نعم تذهب وترجع وستجده كما يسرك . فانطلق آدم فكان ما نذكره . [ ص: 39 ] وفيه قال الله تعالى : إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا . فلما قال آدم لقابيل وهابيل في معنى نكاح أختيهما ما قال لهما سلم هابيل لذلك ورضي به ، وأبى ذلك قابيل وكرهه تكرها عن أخت هابيل ورغب بأخته عن هابيل ، وقال : نحن من ولادة الجنة وهما من ولادة الأرض فأنا أحق بأختي .
وقال بعض أهل العلم : إن أخت قابيل كانت من أحسن الناس فضن بها على أخيه ، وأرادها لنفسه ، وإنهما لم يكونا من ولادة الجنة إنما كانا من ولادة الأرض ، والله أعلم .
فقال له أبوه آدم : يا بني ، إنها لا تحل لك ، فأبى أن يقبل ذلك من أبيه . فقال له أبوه : يا بني ، فقرب قربانا ، ويقرب أخوك هابيل قربانا ، فأيكما قبل الله قربانه فهو أحق بها . وكان قابيل على بذر الأرض وهابيل على رعاية الماشية ، فقرب قابيل قمحا ، وقرب هابيل أبكار غنمه . وقيل : قرب بقرة ، فأرسل الله نارا بيضاء فأكلت قربان هابيل ، وتركت قربان قابيل ، وبذلك كان يقبل القربان إذا قبله الله ، فلما قبل الله قربان هابيل ، وكان في ذلك القضاء له بأخت قابيل ، غضب قابيل ، وغلب عليه الكبر ، واستحوذ عليه الشيطان ، وقال : لأقتلنك حتى لا تنكح أختي . قال هابيل : إنما يتقبل الله من المتقين لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إلى قوله فطوعت له نفسه قتل أخيه فاتبعه وهو في ماشيته فقتله ، فهما اللذان قص الله خبرهما في القرآن ، فقال : واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق إذ قربا قربانا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر إلى آخر القصة .
[ ص: 40 ] قال : فلما قتله سقط في يده ولم يدر كيف يواريه ، وذلك أنه كان فيما يزعمون أول قتيل من بني آدم ، فبعث الله غرابا يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سوأة أخيه قال ياويلتا أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوأة أخي فأصبح من النادمين إلى قوله لمسرفون . فلما قتل أخاه قال الله تعالى : يا قابيل ، أين أخوك هابيل ؟ قال : لا أدري ، ما كنت عليه رقيبا ! فقال الله تعالى : إن صوت دم أخيك يناديني من الأرض الآن ، أنت ملعون من الأرض التي فتحت فاها فبلعت دم أخيك ، فإذا أنت عملت في الأرض فإنها لا تعود تعطيك حرثها حتى تكون فزعا تائها في الأرض . فقال قابيل : عظمت خطيئتي إن لم تغفرها .
قيل : كان قتله عند عقبة حراء . ثم نزل من الجبل آخذا بيد أخته قليما فهرب بها إلى عدن من اليمن .
قال : لما قتل أخاه أخذ بيد أخته ثم هبط بها من جبل ابن عباس نود إلى الحضيض ، فقال له آدم : اذهب فلا تزال مرعوبا لا تأمن من تراه . فكان لا يمر به أحد من ولده إلا رماه ، فأقبل ابن لقابيل أعمى ومعه ابن له ، فقال للأعمى ابنه : هذا أبوك قابيل فارمه ، فرمى الأعمى أباه قابيل فقتله ، فقال ابن الأعمى لأبيه : قتلت أباك ! فرفع الأعمى يده فلطم ابنه فمات . فقال : يا ويلتي قتلت أبي برميتي وبني بلطمتي .
ولما قتل هابيل كان عمره عشرين سنة ، وكان لقابيل يوم قتله خمس وعشرون سنة .
وقال الحسن : كان الرجلان اللذان ذكرهما الله تعالى في القرآن بقوله : واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق من بني إسرائيل ، ولم يكونا من بني آدم لصلبه ، وكان آدم أول من مات .
وقال أبو جعفر : الصحيح عندنا أنهما ابنا آدم لصلبه للحديث الصحيح عن [ ص: 41 ] النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : آدم الأول كفل منها ، وذلك لأنه أول من سن القتل فبان لهذا أنهما لصلب آدم ، فإن القتل مازال بين بني آدم قبل بني إسرائيل . وفي هذا الحديث أنه ما من نفس تقتل ظلما إلا كان على ابن ، ومن الدليل على أنه مات من ذرية أول من سن القتل آدم قبله ما ورد في تفسير قوله تعالى : هو الذي خلقكم من نفس واحدة إلى قوله : جعلا له شركاء فيما آتاهما .
عن ، ابن عباس ، وسعيد بن جبير والسدي ، وغيرهم قالوا : كانت حواء تلد لآدم فتعبدهم ، أي تسميهم عبد الله ، وعبد الرحمن ، ونحو ذلك ، فيصيبهم الموت ، فأتاها إبليس فقال : لو سميتهما بغير هذه الأسماء لعاش ولدكما . فولدت ولدا فسمته عبد الحارث ، وهو اسم إبليس ، فنزلت : هو الذي خلقكم من نفس واحدة الآيات . وقد روي هذا المعنى مرفوعا .
قلت : إنما كان الله تعالى يميت أولادهم أولا ، وأحيا هذا المسمى بعبد الحارث امتحانا واختبارا ، وإن كان الله تعالى يعلم الأشياء بغير امتحان ، لكن علما لا يتعلق به الثواب والعقاب . ومن الدليل على أن القاتل والمقتول ابنا آدم لصلبه ما رواه العلماء عن أن علي بن أبي طالب آدم قال لما قتل هابيل :
تغيرت البلاد ومن عليها فوجه الأرض مغبر قبيح تغير كل ذي طعم ولون
وقل بشاشة الوجه المليح
في أبيات غيرها .
[ ص: 42 ] وقد زعم أكثر علماء الفرس أن جيومرث هو آدم ، وزعم بعضهم أنه ابن آدم لصلبه من حواء ، وقالوا فيه أقوالا كثيرة يطول بذكرها الكتاب إذ كان قصدنا ذكر الملوك وأيامهم ، ولم يكن ذكر الاختلاف في نسب ملك من جنس ما أنشأنا له الكتاب ، فإن ذكرنا من ذلك شيئا فلتعريف من ذكرنا ليعرفه من لم يكن عارفا به .
وقد خالف علماء الفرس فيما قالوا من ذلك آخرون من غيرهم ممن زعم أنه آدم ، ووافق علماء الفرس على اسمه ، وخالفهم في عينه وصفته ، فزعم أن جيومرث الذي زعمت الفرس أنه آدم ، إنما هو حام بن يافث بن نوح ، وأنه كان معمرا سيدا نزل جبل دنباوند من جبال طبرستان من أرض المشرق ، وتملك بها وبفارس ، وعظم أمره وأمر ولده حتى ملكوا بابل ، وملكوا في بعض الأوقات الأقاليم كلها ، وابتنى جيومرث المدن ، والحصون ، وأعد السلاح ، واتخذ الحيل ، وتجبر في آخر أمره ، وتسمى بآدم ، وقال : من سماني بغيره قتلته ، وتزوج ثلاثين امرأة ، فكثر منهن نسله ، وأن ماري ابنه وماريانة أخته ممن كانا ولدا في آخر عمره ، فأعجب بهما وقدمهما ، فصار الملوك من نسلهما .
قال أبو جعفر : وإنما ذكرت من أمر جيومرث في هذا الموضع ما ذكرت لأنه لا تدافع بين علماء الأمم أنه أبو الفرس من العجم ، وإنما اختلفوا فيه هل هو آدم أبو البشر ، أم غيره على ما ذكرنا ؟ ومع ذلك فلأن ملكه وملك أولاده لم يزل منتظما على سياق متصل بأرض المشرق وجبالها إلى أن قتل يزدجرد بن شهريار بمرو أيام ، والتاريخ على أسماء ملوكهم أسهل بيانا ، وأقرب إلى التحقيق منه على أعمار ملوك غيرهم من الأمم ، إذ لا يعلم أمة من الأمم الذين ينتسبون إلى عثمان بن عفان آدم دامت لهم المملكة واتصل الملك لملوكهم يأخذه آخرهم عن أولهم ، وغابرهم عن سالفهم سواهم .
وأنا ذاكر ما انتهى إلينا من القول في آدم ، وأعمار من بعده من ولده من الملوك ، والأنبياء ، عمر وجيومرث أبي الفرس ، فأذكر ما اختلفوا فيه من أمرهم إلى الحال التي اجتمعوا [ ص: 43 ] عليها ، واتفقوا على ملك منهم في زمان بعينه أنه هو الملك في ذلك الزمان إن شاء الله .
وكان آدم مع ما أعطاه الله تعالى من ملك الأرض نبيا رسولا إلى ولده ، وأنزل الله عليه إحدى وعشرين صحيفة كتبهاآدم بيده علمه إياها جبرائيل .
أبو ذر ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : الأنبياء مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا . قال : قلت : يا رسول الله ، كم الرسل من ذلك ؟ قال : ثلاثمائة وثلاثة عشر جما غفيرا ، يعني كثيرا ، طيبا قال : قلت : من أولهم ؟ قال : آدم . قال : قلت : يا رسول الله ، وهو نبي مرسل ؟ قال : نعم ، خلقه الله بيده ، ونفخ فيه من روحه ، ثم سواه قبلا ، وكان ممن أنزل عليه تحريم الميتة ، والدم ، ولحم الخنزير ، وحروف المعجم في إحدى وعشرين ورقة . وروى