ذكر عدة حوادث
في هذه السنة عاد
منصور بن صدقة بن مزيد إلى باب السلطان ، فتقبله وأكرمه ، وكان قد هرب ، بعد قتل والده ، إلى الآن ، والتحق أخوه
بدران بن صدقة بالأمير مودود الذي أقطعه السلطان
الموصل ، فأكرمه ، وأحسن صحبته .
وفيها ، في نيسان ، زادت
دجلة زيادة عظيمة ، وتقطعت الطرق ، وغرقت الغلات الشتوية والصيفية ، وحدث
nindex.php?page=treesubj&link=33881غلاء عظيم بالعراق ، بلغت كارة الدقيق الخشكار عشرة دنانير إمامية ، وعدم الخبز رأسا ، وأكل الناس التمر والباقلاء الخضراء ، وأما أهل السواد فإنهم لم يأكلوا جميع شهر رمضان ، ونصف شوال ، سوى الحشيش والتوت .
وفيها ، في رجب ، عزل وزير الخليفة
أبو المعالي هبة الله بن المطلب ، ووزر له
أبو القاسم علي بن أبي نصر بن جهير .
وفيها ، في شعبان ، تزوج الخليفة
nindex.php?page=showalam&ids=15221المستظهر بالله ابنة
nindex.php?page=showalam&ids=17148السلطان ملكشاه ، وهي أخت
السلطان محمد ، وكان الذي خطب النكاح
nindex.php?page=showalam&ids=16200القاضي أبو العلاء صاعد بن محمد النيسابوري ، الحنفي ، وكان المتولي لقبول العقد
نظام الملك أحمد بن نظام الملك ،
[ ص: 574 ] وزير السلطان ، بوكالة من الخليفة ، وكان الصداق مائة ألف دينار ، ونثرت الجواهر والدنانير ، وكان العقد
بأصبهان .
وفيها تولى
مجاهد الدين بهروز شحنكية
بغداذ ، وكان سبب ذلك أن
السلطان محمدا كان قبض على
أبي القاسم الحسين بن عبد الواحد ، صاحب المخزن ، وعلى
أبي الفرج بن رئيس الرؤساء ، واعتقلهما عنده ، ثم أطلقهما الآن ، وقرر عليهما مالا يحملانه إليه ، فأرسل
مجاهد الدين بهروز لقبض المال ، وأمره السلطان بعمارة دار المملكة ، ففعل ذلك ، وعمر الدار ، وأحسن إلى الناس ، فلما قدم السلطان إلى
بغداذ ولاه شحنكية
العراق جميعه ، وخلع على
سعيد بن حميد العمري ، صاحب جيش
صدقة ، وولاه
الحلة السيفية ، وكان صارما ، حازما ، ذا رأي وجلد .
وفيها ، في شوال ، ملك
الأمير سكمان القطبي ، صاحب
خلاط ، مدينة
ميافارقين بالأمان ، بعد أن حصرها وضيق على أهلها عدة شهور ، فعدمت الأقوات بها ، واشتد الجوع بأهلها فسلموها .
وفي هذه السنة ، في صفر ، قتل قاضي
أصبهان عبيد الله بن علي الخطيبي بهمذان ، وكان قد تجرد ، في أمر
الباطنية ، تجردا عظيما ، وصار يلبس درعا حذرا منهم ، ويحتاط ، ويحترز ، فقصده إنسان عجمي ، يوم جمعة ، ودخل بينه وبين أصحابه فقتله .
وقتل
صاعد بن محمد بن عبد الرحمن أبو العلاء قاضي نيسابور ، يوم عيد الفطر ، قتله باطني ، وقتل الباطني ، ومولده سنة ثمان وأربعين وأربعمائة ، وسمع الحديث ، وكان حنفي المذهب .
وفي هذه السنة سار قفل عظيم من
دمشق إلى
مصر ، فأتى الخبر إلى ملك
[ ص: 575 ] الفرنج ، فسار إليه وعارضه في البر ، وأخذ كل من فيه ، ولم يسلم منهم إلا القليل ، ومن سلم أخذه العرب .
وفيها ، في فصح
النصارى ، ثار جماعة من
الباطنية في حصن
شيزر على حين غفلة من أهله في مائة رجل ، فملكوه ، وأخرجوا من كان فيه ، وأغلقوا بابه وصعدوا إلى القلعة فملكوها ، وكان أصحابها
بنو منقذ قد نزلوا منها لمشاهدة عيد
النصارى ، وكانوا قد أحسنوا ، إلى هؤلاء الذين أفسدوا ، كل الإحسان ، فبادر أهل المدينة الباشورة ، فأصعدهم النساء في الحبال من الطاقات ، وصاروا معهم ، وأدركهم الأمراء
بنو منقذ ، أصحاب الحصن ، فصعدوا إليهم ، فكبروا عليهم وقاتلوهم ، فانخذل
الباطنية ، وأخذهم السيف من كل جانب ، فلم يفلت منهم أحد ، وقتل من كان على رأيهم في البلد .
وفيها وصل إلى
المهدية ثلاثة نفر غرباء ، فكتبوا إلى أميرها
يحيى بن تميم يقولون : إنهم يعملون الكيمياء ، فأحضرهم عنده ، وأمرهم أن يعملوا شيئا يراه من صناعتهم ، فقالوا : نعمل النقرة ، فأحضر لهم ما طلبوا من آلة وغيرها ، وقعد معهم هو
والشريف أبو الحسن ، وقائد جيشه واسمه
إبراهيم ، وكانا يختصان به ، فلما رأى الكيماوية المكان خاليا من جمع ثاروا بهم ، فضرب أحدهم
يحيى بن تميم على رأسه ، فوقعت السكين في عمامته فلم تصنع شيئا ، ورفسه
يحيى فألقاه على ظهره ، ودخل
يحيى بابا وأغلقه على نفسه ، فضرب الثاني
الشريف فقتله ، وأخذ
القائد إبراهيم السيف فقاتل الكيماوية ، ووقع الصوت ، فدخل أصحاب
الأمير يحيى فقتلوا
[ ص: 576 ] الكيماوية ، وكان زيهم زي أهل
الأندلس ، فقتل جماعة من أهل البلد على مثل زيهم ، وقيل
للأمير يحيى : إن هؤلاء رآهم بعض الناس عند
المقدم بن خليفة ، واتفق أن
الأمير أبا الفتوح بن تميم ، أخا
يحيى ، وصل تلك الساعة إلى القصر في أصحابه وقد لبسوا السلاح ، فمنع من الدخول ، فثبت عند
الأمير يحيى أن ذلك بوضع منهما ، فأحضر
المقدم بن خليفة ، وأمر أولاد أخيه فقتلوه قصاصا ، لأنه قتل أباهم ، وأخرج
الأمير أبا الفتوح وزوجته
بلارة بنت القاسم بن تميم ، وهي ابنة عمه ، ووكل بهما في
قصر زياد بين
المهدية وسفاقس ، فبقي هناك إلى أن مات
يحيى ، وملك بعده ابنه
علي سنة تسع وخمسمائة ، فسير
أبا الفتوح وزوجته بلارة إلى ديار
مصر في البحر ، فوصلا إلى
إسكندرية ، على ما نذكره إن شاء الله .
وفيها ، في المحرم ، قتل
عبد الواحد بن إسماعيل بن أحمد بن محمد أبو المحاسن الروياني الطبري ، الفقيه الشافعي ، مولده سنة خمس عشرة وأربعمائة ، وكان حافظا للمذهب ، ويقول : لو احترقت كتب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي لأمليتها من قلبي .
[ الوفيات ]
وفيها ، في جمادى الآخرة ، توفي
nindex.php?page=treesubj&link=34064_33939الخطيب أبو زكرياء يحيى بن علي التبريزي ، الشيباني ، اللغوي ، صاحب التصانيف المشهورة ، وله شعر ليس بالجيد .
وفيها ، في رجب ، توفي
nindex.php?page=treesubj&link=34064_33877السيد أبو هاشم زيد الحسيني ، العلوي ، رئيس همذان ، وكان نافذ الحكم ، ماضي الأمر ، وكانت مدة رئاسته لها سبعا وأربعين سنة وجده لأمه
nindex.php?page=showalam&ids=14620الصاحب أبو القاسم بن عباد ، وكان عظيم المال جدا ، فمن ذلك أنه أخذ منه
السلطان محمد في دفعة واحدة سبع مائة ألف دينار لم يبع لأجلها ملكا ولا
[ ص: 577 ] استدان دينارا ، وأقام بعد ذلك
بالسلطان محمد ، عدة شهور ، في جميع ما يريده ، وكان قليل المعروف .
وفيها ، في ذي الحجة ، توفي
nindex.php?page=treesubj&link=34064أبو الفوارس الحسن بن علي الخازن ، الكاتب المشهور بجودة الخط ، وله شعر منه :
عنت الدنيا لطالبها واستراح الزاهد الفطن عرف الدنيا ، فلم يرها
وسواه حظه الفتن كل ملك نال زخرفها
حظه مما حوى كفن يقتني مالا ، ويتركه
في كلا الحالين مفتتن أملي كوني على ثقة
من لقاء الله مرتهن أكره الدنيا ، وكيف بها
والذي تسخو به وسن لم تدم قبلي على أحد
فلماذا الهم والحزن ؟
وقيل توفي سنة تسع وأربعمائة ، وقد ذكر هناك .
ذِكْرُ عِدَّةِ حَوَادِثَ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ عَادَ
مَنْصُورُ بْنُ صَدَقَةَ بْنِ مَزْيَدٍ إِلَى بَابِ السُّلْطَانِ ، فَتَقَبَّلَهُ وَأَكْرَمَهُ ، وَكَانَ قَدْ هَرَبَ ، بَعْدَ قَتْلِ وَالِدِهِ ، إِلَى الْآنِ ، وَالْتَحَقَ أَخُوهُ
بَدْرَانُ بْنُ صَدَقَةَ بِالْأَمِيرِ مَوْدُودٍ الَّذِي أَقْطَعُهُ السُّلْطَانُ
الْمَوْصِلَ ، فَأَكْرَمَهُ ، وَأَحْسَنَ صُحْبَتَهُ .
وَفِيهَا ، فِي نِيسَانَ ، زَادَتْ
دِجْلَةُ زِيَادَةً عَظِيمَةً ، وَتَقَطَّعَتِ الطُّرُقُ ، وَغَرِقَتِ الْغَلَّاتُ الشِّتْوِيَّةُ وَالصَّيْفِيَّةُ ، وَحَدَثَ
nindex.php?page=treesubj&link=33881غَلَاءٌ عَظِيمٌ بِالْعِرَاقِ ، بَلَغَتْ كَارَةُ الدَّقِيقِ الْخُشْكَارِ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ إِمَامِيَّةٍ ، وَعُدِمَ الْخُبْزُ رَأْسًا ، وَأَكَلَ النَّاسُ التَّمْرَ وَالْبَاقِلَّاءَ الْخَضْرَاءَ ، وَأَمَّا أَهْلُ السَّوَادِ فَإِنَّهُمْ لَمْ يَأْكُلُوا جَمِيعَ شَهْرِ رَمَضَانَ ، وَنِصْفَ شَوَّالٍ ، سِوَى الْحَشِيشِ وَالتُّوتِ .
وَفِيهَا ، فِي رَجَبٍ ، عُزِلَ وَزِيرُ الْخَلِيفَةِ
أَبُو الْمَعَالِي هِبَةُ اللَّهِ بْنُ الْمُطَّلِبِ ، وَوَزَرَ لَهُ
أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي نَصْرِ بْنِ جَهِيرٍ .
وَفِيهَا ، فِي شَعْبَانَ ، تَزَوَّجَ الْخَلِيفَةُ
nindex.php?page=showalam&ids=15221الْمُسْتَظْهِرُ بِاللَّهِ ابْنَةَ
nindex.php?page=showalam&ids=17148السُّلْطَانِ مُلْكِشَاهْ ، وَهِيَ أُخْتُ
السُّلْطَانِ مُحَمَّدٍ ، وَكَانَ الَّذِي خَطَبَ النِّكَاحَ
nindex.php?page=showalam&ids=16200الْقَاضِي أَبُو الْعَلَاءِ صَاعِدُ بْنُ مُحَمَّدٍ النَّيْسَابُورِيُّ ، الْحَنَفِيُّ ، وَكَانَ الْمُتَوَلِّي لِقَبُولِ الْعَقْدِ
نِظَامُ الْمُلْكِ أَحْمَدُ بْنُ نِظَامِ الْمُلْكِ ،
[ ص: 574 ] وَزِيرُ السُّلْطَانِ ، بِوَكَالَةٍ مِنَ الْخَلِيفَةِ ، وَكَانَ الصَّدَاقُ مِائَةَ أَلْفِ دِينَارٍ ، وَنُثِرَتِ الْجَوَاهِرُ وَالدَّنَانِيرُ ، وَكَانَ الْعَقْدُ
بَأَصْبَهَانَ .
وَفِيهَا تَوَلَّى
مُجَاهِدُ الدِّينِ بَهْرُوزَ شِحْنَكِيَّةَ
بَغْدَاذَ ، وَكَانَ سَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ
السُّلْطَانَ مُحَمَّدًا كَانَ قَبَضَ عَلَى
أَبِي الْقَاسِمِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ ، صَاحِبِ الْمَخْزَنِ ، وَعَلَى
أَبِي الْفَرَجِ بْنِ رَئِيسِ الرُّؤَسَاءِ ، وَاعْتَقَلَهُمَا عِنْدَهُ ، ثُمَّ أَطْلَقَهُمَا الْآنَ ، وَقَرَّرَ عَلَيْهِمَا مَالًا يَحْمِلَانِهِ إِلَيْهِ ، فَأَرْسَلَ
مُجَاهِدُ الدِّينِ بَهْرُوزَ لِقَبْضِ الْمَالِ ، وَأَمَرَهُ السُّلْطَانُ بِعِمَارَةِ دَارِ الْمَمْلَكَةِ ، فَفَعَلَ ذَلِكَ ، وَعَمَّرَ الدَّارَ ، وَأَحْسَنَ إِلَى النَّاسِ ، فَلَمَّا قَدِمَ السُّلْطَانُ إِلَى
بَغْدَاذَ وَلَّاهُ شِحْنَكِيَّةَ
الْعِرَاقِ جَمِيعِهِ ، وَخَلَعَ عَلَى
سَعِيدِ بْنِ حُمَيْدٍ الْعُمَرِيِّ ، صَاحِبِ جَيْشِ
صَدَقَةَ ، وَوَلَّاهُ
الْحِلَّةِ السَّيْفِيَّةَ ، وَكَانَ صَارِمًا ، حَازِمًا ، ذَا رَأْيٍ وَجَلَدٍ .
وَفِيهَا ، فِي شَوَّالٍ ، مَلَكَ
الْأَمِيرُ سُكْمَانُ الْقُطْبِيُّ ، صَاحِبُ
خِلَاطَ ، مَدِينَةَ
مَيَّافَارِقِينَ بِالْأَمَانِ ، بَعْدَ أَنْ حَصَرَهَا وَضَيَّقَ عَلَى أَهْلِهَا عِدَّةَ شُهُورٍ ، فَعُدِمَتِ الْأَقْوَاتُ بِهَا ، وَاشْتَدَّ الْجُوعُ بِأَهْلِهَا فَسَلَّمُوهَا .
وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ ، فِي صَفَرٍ ، قُتِلَ قَاضِي
أَصْبَهَانَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيٍّ الْخَطِيبِيُّ بِهَمَذَانَ ، وَكَانَ قَدْ تَجَرَّدَ ، فِي أَمْرِ
الْبَاطِنِيَّةِ ، تَجَرُّدًا عَظِيمًا ، وَصَارَ يَلْبَسُ دِرْعًا حَذَرًا مِنْهُمْ ، وَيَحْتَاطُ ، وَيَحْتَرِزُ ، فَقَصَدَهُ إِنْسَانٌ عَجَمِيٌّ ، يَوْمَ جُمُعَةٍ ، وَدَخَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَصْحَابِهِ فَقَتَلَهُ .
وَقُتِلَ
صَاعِدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَبُو الْعَلَاءِ قَاضِي نَيْسَابُورَ ، يَوْمَ عِيدِ الْفِطْرِ ، قَتَلَهُ بَاطِنِيٌّ ، وَقُتِلَ الْبَاطِنِيُّ ، وَمَوْلِدُهُ سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ ، وَسَمِعَ الْحَدِيثَ ، وَكَانَ حَنَفِيَّ الْمَذْهَبِ .
وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ سَارَ قَفْلٌ عَظِيمٌ مِنْ
دِمَشْقَ إِلَى
مِصْرَ ، فَأَتَى الْخَبَرُ إِلَى مَلِكِ
[ ص: 575 ] الْفِرِنْجِ ، فَسَارَ إِلَيْهِ وَعَارَضَهُ فِي الْبَرِّ ، وَأَخَذَ كُلَّ مَنْ فِيهِ ، وَلَمْ يَسْلَمْ مِنْهُمْ إِلَّا الْقَلِيلُ ، وَمَنْ سَلِمَ أَخَذَهُ الْعَرَبُ .
وَفِيهَا ، فِي فِصْحِ
النَّصَارَى ، ثَارَ جَمَاعَةٌ مِنَ
الْبَاطِنِيَّةِ فِي حِصْنِ
شَيْزَرَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهِ فِي مِائَةِ رَجُلٍ ، فَمَلَكُوهُ ، وَأَخْرَجُوا مَنْ كَانَ فِيهِ ، وَأَغْلَقُوا بَابَهُ وَصَعِدُوا إِلَى الْقَلْعَةِ فَمَلَكُوهَا ، وَكَانَ أَصْحَابُهَا
بَنُو مُنْقِذٍ قَدْ نَزَلُوا مِنْهَا لِمُشَاهَدَةِ عِيدِ
النَّصَارَى ، وَكَانُوا قَدْ أَحْسَنُوا ، إِلَى هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَفْسَدُوا ، كُلَّ الْإِحْسَانِ ، فَبَادَرَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ الْبَاشُورَةَ ، فَأَصْعَدَهُمُ النِّسَاءُ فِي الْحِبَالِ مِنَ الطَّاقَاتِ ، وَصَارُوا مَعَهُمْ ، وَأَدْرَكَهُمُ الْأُمَرَاءُ
بَنُو مُنْقِذٍ ، أَصْحَابُ الْحِصْنِ ، فَصَعِدُوا إِلَيْهِمْ ، فَكَبَّرُوا عَلَيْهِمْ وَقَاتَلُوهُمْ ، فَانْخَذَلَ
الْبَاطِنِيَّةُ ، وَأَخَذَهُمُ السَّيْفُ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ ، فَلَمْ يُفْلِتْ مِنْهُمْ أَحَدٌ ، وَقُتِلَ مَنْ كَانَ عَلَى رَأْيِهِمْ فِي الْبَلَدِ .
وَفِيهَا وَصَلَ إِلَى
الْمَهْدِيَّةِ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ غُرَبَاءُ ، فَكَتَبُوا إِلَى أَمِيرِهَا
يَحْيَى بْنِ تَمِيمٍ يَقُولُونَ : إِنَّهُمْ يَعْمَلُونَ الْكِيمْيَاءَ ، فَأَحْضَرَهُمْ عِنْدَهُ ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَعْمَلُوا شَيْئًا يَرَاهُ مِنْ صِنَاعَتِهِمْ ، فَقَالُوا : نَعْمَلُ النَّقْرَةَ ، فَأَحْضَرَ لَهُمْ مَا طَلَبُوا مِنْ آلَةٍ وَغَيْرِهَا ، وَقَعَدَ مَعَهُمْ هُوَ
وَالشَّرِيفُ أَبُو الْحَسَنِ ، وَقَائِدُ جَيْشِهِ وَاسْمُهُ
إِبْرَاهِيمُ ، وَكَانَا يَخْتَصَّانِ بِهِ ، فَلَمَّا رَأَى الْكِيمَاوِيَّةُ الْمَكَانَ خَالِيًا مِنْ جَمْعٍ ثَارُوا بِهِمْ ، فَضَرَبَ أَحَدُهُمْ
يَحْيَى بْنَ تَمِيمٍ عَلَى رَأْسِهِ ، فَوَقَعَتِ السِّكِّينُ فِي عِمَامَتِهِ فَلَمْ تَصْنَعْ شَيْئًا ، وَرَفَسَهُ
يَحْيَى فَأَلْقَاهُ عَلَى ظَهْرِهِ ، وَدَخَلَ
يَحْيَى بَابًا وَأَغْلَقَهُ عَلَى نَفْسِهِ ، فَضَرَبَ الثَّانِي
الشَّرِيفَ فَقَتَلَهُ ، وَأَخَذَ
الْقَائِدُ إِبْرَاهِيمُ السَّيْفَ فَقَاتَلَ الْكِيمَاوِيَّةَ ، وَوَقَعَ الصَّوْتُ ، فَدَخَلَ أَصْحَابُ
الْأَمِيرِ يَحْيَى فَقَتَلُوا
[ ص: 576 ] الْكِيمَاوِيَّةَ ، وَكَانَ زِيُّهُمْ زِيَّ أَهْلِ
الْأَنْدَلُسِ ، فُقُتِلَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْبَلَدِ عَلَى مِثْلِ زِيِّهِمْ ، وَقِيلَ
لِلْأَمِيرِ يَحْيَى : إِنَّ هَؤُلَاءِ رَآهُمْ بَعْضُ النَّاسِ عِنْدَ
الْمُقَدَّمِ بْنِ خَلِيفَةَ ، وَاتَّفَقَ أَنَّ
الْأَمِيرَ أَبَا الْفُتُوحِ بْنَ تَمِيمٍ ، أَخَا
يَحْيَى ، وَصَلَ تِلْكَ السَّاعَةَ إِلَى الْقَصْرِ فِي أَصْحَابِهِ وَقَدْ لَبِسُوا السِّلَاحَ ، فَمُنِعَ مِنَ الدُّخُولِ ، فَثَبَتَ عِنْدَ
الْأَمِيرِ يَحْيَى أَنَّ ذَلِكَ بِوَضْعٍ مِنْهُمَا ، فَأَحْضَرَ
الْمُقَدَّمَ بْنَ خَلِيفَةَ ، وَأَمَرَ أَوْلَادَ أَخِيهِ فَقَتَلُوهُ قِصَاصًا ، لِأَنَّهُ قَتَلَ أَبَاهُمْ ، وَأَخْرَجَ
الْأَمِيرَ أَبَا الْفُتُوحِ وَزَوْجَتَهُ
بَلَارَةَ بِنْتَ الْقَاسِمِ بْنِ تَمِيمٍ ، وَهِيَ ابْنَةُ عَمِّهِ ، وَوَكَّلَ بِهِمَا فِي
قَصْرِ زِيَادٍ بَيْنَ
الْمَهْدِيَّةِ وَسَفَاقِسَ ، فَبَقِيَ هُنَاكَ إِلَى أَنْ مَاتَ
يَحْيَى ، وَمَلَكَ بَعْدَهُ ابْنُهُ
عَلِيٌّ سَنَةَ تِسْعٍ وَخَمْسِمِائَةٍ ، فَسَيَّرَ
أَبَا الْفُتُوحِ وَزَوْجَتَهُ بَلَارَةَ إِلَى دِيَارِ
مِصْرَ فِي الْبَحْرِ ، فَوَصَلَا إِلَى
إِسْكَنْدَرِيَّةَ ، عَلَى مَا نَذْكُرُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ .
وَفِيهَا ، فِي الْمُحَرَّمِ ، قُتِلَ
عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ أَبُو الْمَحَاسِنِ الرُّويَانِيُّ الطَّبَرِيُّ ، الْفَقِيهُ الشَّافِعِيُّ ، مَوْلِدُهُ سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ ، وَكَانَ حَافِظًا لِلْمَذْهَبِ ، وَيَقُولُ : لَوِ احْتَرَقَتْ كُتُبُ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ لَأَمْلَيْتُهَا مِنْ قَلْبِي .
[ الْوَفَيَاتُ ]
وَفِيهَا ، فِي جُمَادَى الْآخِرَةِ ، تُوُفِّيَ
nindex.php?page=treesubj&link=34064_33939الْخَطِيبُ أَبُو زَكَرِيَّاءَ يَحْيَى بْنُ عَلِيٍّ التَّبْرِيزِيُّ ، الشَّيْبَانِيُّ ، اللُّغَوِيُّ ، صَاحِبُ التَّصَانِيفِ الْمَشْهُورَةِ ، وَلَهُ شِعْرٌ لَيْسَ بِالْجَيِّدِ .
وَفِيهَا ، فِي رَجَبٍ ، تُوُفِّيَ
nindex.php?page=treesubj&link=34064_33877السَّيِّدُ أَبُو هَاشِمٍ زَيْدٌ الْحُسَيْنِيُّ ، الْعَلَوِيُّ ، رَئِيسُ هَمَذَانَ ، وَكَانَ نَافِذَ الْحُكْمِ ، مَاضِيَ الْأَمْرِ ، وَكَانَتْ مُدَّةُ رِئَاسَتِهِ لَهَا سَبْعًا وَأَرْبَعِينَ سَنَةً وَجَدُّهُ لِأُمِّهِ
nindex.php?page=showalam&ids=14620الصَّاحِبُ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ عَبَّادٍ ، وَكَانَ عَظِيمَ الْمَالِ جِدًّا ، فَمِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ أَخَذَ مِنْهُ
السُّلْطَانُ مُحَمَّدٌ فِي دَفْعَةٍ وَاحِدَةٍ سَبْعَ مِائَةِ أَلْفِ دِينَارٍ لَمْ يَبِعْ لِأَجْلِهَا مِلْكًا وَلَا
[ ص: 577 ] اسْتَدَانَ دِينَارًا ، وَأَقَامَ بَعْدَ ذَلِكَ
بِالسُّلْطَانِ مُحَمَّدٍ ، عِدَّةَ شُهُورٍ ، فِي جَمِيعِ مَا يُرِيدُهُ ، وَكَانَ قَلِيلَ الْمَعْرُوفِ .
وَفِيهَا ، فِي ذِي الْحِجَّةِ ، تُوُفِّيَ
nindex.php?page=treesubj&link=34064أَبُو الْفَوَارِسِ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْخَازِنُ ، الْكَاتِبُ الْمَشْهُورُ بِجَوْدَةِ الْخَطِّ ، وَلَهُ شِعْرٌ مِنْهُ :
عَنَّتِ الدُّنْيَا لِطَالِبِهَا وَاسْتَرَاحَ الزَّاهِدُ الْفَطِنُ عَرَفَ الدُّنْيَا ، فَلَمْ يَرَهَا
وَسِوَاهُ حَظُّهُ الْفِتَنُ كُلُّ مَلْكٍ نَالَ زُخْرُفَهَا
حَظُّهُ مِمَّا حَوَى كَفَنُ يَقْتَنِي مَالًا ، وَيَتْرُكُهُ
فِي كِلَا الْحَالَيْنِ مُفْتَتَنُ أَمَلِي كَوْنِي عَلَى ثِقَةٍ
مِنْ لِقَاءِ اللَّهِ مُرْتَهَنُ أَكْرَهُ الدُّنْيَا ، وَكَيْفَ بِهَا
وَالَّذِي تَسْخُو بِهِ وَسَنٌ لَمْ تَدُمْ قَبْلِي عَلَى أَحَدٍ
فَلِمَاذَا الْهَمُّ وَالْحَزَنُ ؟
وَقِيلَ تُوُفِّيَ سَنَةَ تِسْعٍ وَأَرْبَعِمِائَةٍ ، وَقَدْ ذُكِرَ هُنَاكَ .