ذكر الوليد بن عبد الملك خلافة
فلما دفن انصرف عبد الملك بن مروان الوليد عن قبره ، فدخل المسجد ، وصعد المنبر ، واجتمع إليه الناس ، فخطبهم ، وقال : إنا لله وإنا إليه راجعون ، والله المستعان على مصيبتنا لموت أمير المؤمنين ، والحمد لله على ما أنعم علينا من الخلافة ، قوموا فبايعوا .
وكان أول من عزى نفسه وهنأها ، وكان أول من قام لبيعته عبد الله بن همام السلولي وهو يقول :
الله أعطاك التي لا فوقها وقد أراد الملحدون عوقها عنك ويأبى الله إلا سوقها
إليك حتى قلدوك طوقها
فبايعه ثم قام الناس لبيعته .
وقيل : إن الوليد لما صعد المنبر حمد الله ، وأثنى عليه ، ثم قال : أيها الناس ، لا مقدم لما أخر الله ، ولا مؤخر لما قدم ، وهذا كان من قضاء الله وسابق علمه ، وما كتب على أنبيائه وحملة عرشه الموت ، وقد صار إلى منازل الأبرار ولي هذه الأمة بالذي يحق عليه لله من الشدة على المريب ، واللين لأهل الحق والفضل ، وإقامة من أقام الله من منار الإسلام ، وأعلام من حج البيت ، وغزو الثغور ، وشن الغارة على أعداء الله ، فلم يكن عاجزا ولا مفرطا . أيها الناس عليكم بالطاعة ولزوم الجماعة ، فإن الشيطان مع الفرد . أيها الناس من أبدى لنا ذات نفسه ضربنا الذي فيه عيناه ، ومن سكت مات [ ص: 6 ] بدائه ، ثم نزل ، وكان جبارا عنيدا .
ذكر قتيبة خراسان وما كان منه هذه السنة ولاية
وفي هذه السنة قدم قتيبة خراسان أميرا عليها للحجاج ، فقدمها والمفضل يعرض الجند للغزاة ، فخطب قتيبة الناس ، وحثهم على الجهاد ، ثم عرضهم وسار ، وجعل بمرو على حربها إياس بن عبد الله بن عمرو ، وعلى الخراج عثمان السعيدي .
فلما كان بالطالقان أتاه دهاقين بلخ وساروا معه ، فقطع النهر ، فتلقاه ملك الصغانيان بهدايا ومفاتيح من ذهب ودعاه إلى بلاده ، فمضى معه ، فسلمها إليه ; لأن ملك آخرون وشومان كان يسيء جواره .
ثم سار قتيبة منها إلى آخرون وشومان ، وهما من طخارستان ، فصالحه ملكها على فدية أداها إليه فقبلها قتيبة ، ثم انصرف إلى مرو ، واستخلف على الجند أخاه صالح بن مسلم ، ففتح صالح بعد رجوع قتيبة كاشان وأورشت ، وهي من فرغانة ، وفتح أخسيكت ، وهي مدينة فرغانة القديمة ، وكان معه ، فأبلى بلاء حسنا . نصر بن سيار
وقيل : إن قتيبة قدم خراسان سنة خمس وثمانين ، فعرض الجند ، فغزا آخرون وشومان ، ثم رجع إلى مرو . وقيل : إنه أقام السنة ، ولم يقطع النهر لسبب بلخ ، فإن بعضها كان منتقضا عليه فحاربهم ، وكان ممن سبى امرأة برمك أبي خالد بن برمك ، وكان برمك على النوبهار ، فصارت لعبد الله بن مسلم أخي قتيبة ، فوقع عليها . ثم إن أهل بلخ صالحوه ، وأمر قتيبة برد السبي ، فقالت امرأة برمك لعبد الله : إني قد علقت منك ، وحضرت عبد الله بن مسلم الوفاة ، فأوصى أن يلحق به ما في بطنها ، وردت إلى برمك . فذكر أن ولد عبد الله بن مسلم جاءوا أيام المهدي حين قدم الري إلى خالد فادعوه . فقال لهم مسلم بن قتيبة : إنه لا بد لكم إن استلحقتموه ففعل [ من ] أن تزوجوه . فتركوه . وكان برمك طبيبا .