ذكر نيزك وفتح الطالقان غدر
قيل : لما رجع قتيبة من بخارى ومعه نيزك وقد خاف لما يرى من الفتوح ، فقال لأصحابه : أنا مع هذا ، ولست آمنه ، فلو استأذنته ورجعت كان الرأي . قالوا : افعل . فاستأذن قتيبة ، فأذن له وهو بآمل ، فرجع طخارستان ، وأسرع السير حتى أتى النوبهار ، فنزل يصلي فيه ويتبرك به ، وقال لأصحابه : لا أشك أن قتيبة قد ندم على إذنه لي ، وسيبعث إلى المغيرة بن عبد الله يأمره بحبسي .
وندم قتيبة على إذنه له ، فأرسل إلى المغيرة يأمره بحبس نيزك ، وسار نيزك وتبعه المغيرة ، فوجده قد دخل شعب خلم ، فرجع المغيرة ، وأظهر نيزك الخلع وكتب إلى أصبهبذ بلخ ، وإلى باذان ملك مرو الروذ ، وإلى ملك الطالقان ، وإلى ملك الفارياب ، وإلى ملك الجوزجان ، أن يدعوهم إلى خلع قتيبة ، فأجابوه ، فواعدهم الربيع أن يجتمعوا [ ص: 25 ] ويغزوا قتيبة ، وكتب إلى كابل شاه يستظهر به ، وبعث إليه بثقله وماله ، وسأله أن يأذن له إن اضطر إليه أن يأتيه ، فأجابه إلى ذلك .
وكان جبغويه ملك طخارستان ضعيفا ، فأخذه نيزك فقيده بقيد من ذهب لئلا يخالف عليه ، وكان جبغويه هو الملك ، ونيزك عبده ، فاستوثق منه وأخرج عامل قتيبة من بلاد جبغويه . وبلغ قتيبة خلعه قبل الشتاء وقد تفرق الجند ، فبعث أخاه عبد الرحمن بن مسلم في اثني عشر ألفا إلى البروقان ، وقال : أقم بها ولا تحدث شيئا ، فإذا انقضى الشتاء سر نحو طخارستان ، واعلم أني قريب منك .
فسار ، فلما كان آخر الشتاء كتب قتيبة إلى نيسابور وغيرها من البلاد ليقدم عليه الجنود ، فقدموا قبل أوانهم ، فسار نحو الطالقان ، وكان ملكها قد خلع وطابق نيزك على الخلع ، فأتاه قتيبة فأوقع بأهل الطالقان ، فقتل من أهلها مقتلة عظيمة ، وصلب منهم سماطين أربعة فراسخ في نظام واحد ، ثم انقضت السنة قبل محاربة نيزك ، وسنذكر تمام خبره سنة إحدى وتسعين إن شاء الله .