هو ، وأمه الوليد بن يزيد بن عبد الملك بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن عبد شمس بن عبد مناف الأموي ، يكنى أبا العباس أم الحجاج بنت محمد بن يوسف الثقفي ، وهي بنت أخي الحجاج بن يوسف ، وأم أبيه عاتكة بنت يزيد بن معاوية بن أبي سفيان ، وأمها أم كلثوم بنت عبد الله بن عامر بن كريز ، ، فلذلك يقول وأم عامر بن كريز أم حكيم البيضاء بنت عبد المطلب الوليد :
نبي الهدى خالي ومن يك خاله نبي الهدى يقهر به من يفاخره
وكان من فتيان بني أمية وظرفائهم وشجعانهم وأجوادهم وأشدائهم ، منهمكا في اللهو والشرب وسماع الغناء فظهر ذلك من أمره فقتل . ومن جيد شعره ما قاله لما بلغه أن هشاما يريد خلعه :
كفرت يدا من منعم لو شكرتها جزاك بها الرحمن ذو الفضل والمن
[ ص: 307 ] وقد تقدمت الأبيات الأربعة ، وأشعاره حسنة في الغزل والعتاب ووصف الخمر وغير ذلك ، وقد أخذ الشعراء معانيه في وصف الخمر فسرقوها وأدخلوها في أشعارهم وخاصة فإنه أكثرهم أخذا لها . أبو نواس
قال الوليد : المحبة للغناء تزيد في الشهوة ، وتهدم المروءة ، وتنوب عن الخمر ، وتفعل ما يفعل السكر ، فإن كنتم لا بد فاعلين فجنبوه النساء ، فإن الغناء رقية الزنا ، وإني لأقول ذلك علي وإنه أحب إلي من كل لذة ، وأشهى إلى نفسي من الماء إلى ذي الغلة ، ولكن الحق أحق أن يتبع . قيل : إن يزيد بن منبه مولى ثقيف مدح الوليد وهنأه بالخلافة ، فأمر أن تعد الأبيات ويعطى بكل بيت ألف درهم ، فعدت فكانت خمسين بيتا فأعطي خمسين ألف درهم ، وهو أول خليفة عد الشعر وأعطى بكل بيت ألف درهم .
ومما شهر عنه أنه فتح المصحف فخرج : ( واستفتحوا وخاب كل جبار عنيد ) ، فألقاه ورماه بالسهام وقال :
تهددني بجبار عنيد فها أنا ذاك جبار عنيد
إذا ما جئت ربك يوم حشر فقل يا رب مزقني الوليد
فلم يلبث بعد ذلك إلا يسيرا حتى قتل .
ومن حسن الكلام ما قاله الوليد لما مات ، فإن مسلمة بن عبد الملك هشاما قعد [ ص: 308 ] للعزاء ، فأتاه الوليد وهو نشوان يجر مطرف خز عليه ، فوقف على هشام فقال : يا أمير المؤمنين ، إن عقبى من بقي لحوق من مضى ، وقد أقفر بعد مسلمة الصيد لمن رمى ، واختل الثغر فهوى ، وعلى أثر من سلف يمضي من خلف ، ( وتزودوا فإن خير الزاد التقوى ) . فأعرض هشام ولم يحر جوابا ، وسكت القوم فلم ينطقوا .
وقد نزه قوم الوليد مما قيل فيه ، وأنكروه ونفوه عنه وقالوا : إنه قيل عنه وألصق به وليس بصحيح . قال المدائني : دخل ابن للغمر بن يزيد أخي الوليد على الرشيد ، فقال له : ممن أنت ؟ قال : من قريش . قال : من أيها ؟ فأمسك ، فقال : قل وأنت آمن ولو أنك مروان . فقال : أنا ابن الغمر بن يزيد . فقال : رحم الله عمك الوليد ولعن يزيد الناقص ، فإنه قتل خليفة مجمعا عليه ! ارفع حوائجك . فرفعها فقضاها .
وقال شبيب بن شيبة : كنا جلوسا عند المهدي فذكروا الوليد ، فقال المهدي : كان زنديقا ، فقام أبو علاثة الفقيه فقال : يا أمير المؤمنين إن الله - عز وجل - أعدل من أن يولي خلافة النبوة وأمر الأمة زنديقا ، لقد أخبرني من كان يشهده في ملاعبه وشربه عنه بمروءة في طهارته وصلاته ، فكان إذا حضرت الصلاة يطرح الثياب التي عليه المطايب المصبغة ، ثم يتوضأ فيحسن الوضوء ، ويؤتى بثياب نظاف بيض فيلبسها ويصلي فيها ، فإذا فرغ عاد إلى تلك الثياب فلبسها واشتغل بشربه ولهوه ، فهذا فعال من لا يؤمن بالله ؟ ! فقال المهدي : بارك الله عليك يا أبا علاثة !