وفي هذه السنة قدم أبو حمزة وبلج بن عقبة الأزدي الخارجي من الحج من قبل عبد الله بن يحيى الحضرمي طالب الحق ، محكما للخلاف على مروان بن محمد ، فبينما الناس بعرفة ما شعروا إلا وقد طلعت عليهم أعلام وعمائم سود على رءوس الرماح وهم سبعمائة ، ففزع الناس حين رأوهم وسألوهم عن حالهم ، فأخبروهم بخلافهم مروان وآل مروان . فراسلهم عبد الواحد بن سليمان بن عبد الملك ، وهو يومئذ على مكة والمدينة ، وطلب منهم الهدنة ، فقالوا : نحن بحجنا أضن وعليه أشح . فصالحهم على أنهم جميعا آمنون بعضهم من بعض حتى ينفر الناس النفر الأخير ، فوقفوا بعرفة على حدة .
[ ص: 372 ] فدفع الناس عبد الواحد فنزل بمنى في منزل السلطان ، ونزل أبو حمزة بقرن الثعالب . فأرسل عبد الواحد إلى أبي حمزة الخارجي عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي ، ومحمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان ، وعبد الرحمن بن محمد بن أبي بكر ، ، وعبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب في رجال أمثالهم ، فدخلوا على وربيعة بن أبي عبد الرحمن أبي حمزة وعليه إزار قطن غليظ ، فتقدمهم إليه عبد الله بن الحسن ومحمد بن عبد الله فنسبهما فانتسبا له ، فعبس في وجوههما وأظهر الكراهة لهما ثم سأل عبد الرحمن بن القاسم فانتسبا له ، فهش إليهما وتبسم في وجوههما وقال : والله ما خرجنا لنسير بسيرة أبويكما . فقال له وعبيد الله بن عمر عبد الله بن الحسن : والله ما خرجنا لتفضل بين آبائنا ، ولكن بعثنا إليك الأمير برسالة ، وهذا ربيعة يخبركها .
فلما ذكر له ربيعة نقض العهد قال أبو حمزة : معاذ الله أن ننقض العهد أو نخيس به ، لا والله لا أفعل ولو قطعت رقبتي هذه ولكن تنقضي الهدنة بيننا وبينكم . فرجعوا إلى عبد الواحد فأبلغوه . فلما كان النفر الأول نفر عبد الواحد فيه وخلى مكة ، فدخلها أبو حمزة بغير قتال ، فقال بعضهم في عبد الواحد :
زار الحجيج عصابة قد خالفوا دين الإله ففر عبد الواحد ترك الحلائل والإمارة هاربا
ومضى يخبط كالبعير الشارد