بيان : علاج الغضب بعد هيجانه
ما تقدم هو حسم لمواد الغضب حتى لا يهيج ، فإذا جرى سبب هيجه فعنده يجب التثبت ؛ حتى لا يضطر صاحبه إلى العمل به على الوجه المذموم ، وإنما يعالج الغضب عند هيجانه بمعجون العلم والعمل ، وأما العلم فهو أمور :
الأول : أن يتفكر فيما ورد في فضل كظم الغيظ والعفو والحلم والاحتمال ، فيرغب في ثوابه ، وتمنعه الرغبة في الأجر عن الانتقام ، وينطفئ عنه غيظه .
الثاني : أن يخوف نفسه بعقاب الله لو أمضى غضبه ، وهل يأمن من غضب الله يوم القيامة وهو أحوج ما يكون إلى العفو .
الثالث : أن يحذر نفسه عاقبة العداوة والانتقام ، وتشمر العدو لمقابلته ، والسعي في هدم أغراضه ، والشماتة بمصائبه ، وهو لا يخلو عن المصائب ، فيخوف نفسه بعواقب الغضب في الدنيا إن كان لا يخاف من الآخرة .
الرابع : أن يتفكر في قبح صورته عند الغضب ، بأن يتذكر صورة غيره في حالة الغضب ، ويتفكر في قبح الغضب في نفسه ، ومشابهة صاحبه للكلب الضاري والسبع العادي ، ومشابهة الحليم الهادي التارك للغضب للأنبياء والأولياء والعلماء والحكماء ، ويخير نفسه بين أن يتشبه بالكلاب والسباع وأراذل الناس ، وبين أن يتشبه بالعلماء والأنبياء في عادتهم ؛ لتميل نفسه إلى حب الاقتداء بهؤلاء إن كان قد بقي معه مسكة من عقل .
الخامس : أن يتفكر في السبب الذي يدعوه إلى الانتقام ويمنعه من كظم الغيظ ، مثل قول الشيطان له : إن هذا يحمل منك على العجز والذلة وتصير حقيرا في أعين الناس فيقول [ ص: 209 ] لنفسه : " ما أعجبك ! تأنفين من الاحتمال الآن ، ولا تأنفين من خزي يوم القيامة ، ولا تحذرين من أن تصغري عند الله والملائكة والنبيين " .
فمهما كظم الغيظ فينبغي أن يكظمه لله ، وذلك يعظمه عند الله ، فما له وللناس ؟ .
وأما العمل فأن تقول بلسانك : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، وإن كنت قائما فاجلس ، وإن كنت جالسا فاضطجع ، ويستحب أن يتوضأ بالماء البارد ؛ فإن الغضب من النار ، والنار لا يطفئها إلا الماء .