بيان : الأسباب المهيجة للغضب
قد عرفت أن علاج كل علة بحسم مادتها وإزالة أسبابها ، فلا بد من معرفة أسباب الغضب .
وأسبابه المهيجة له هي : الزهو ، والعجب ، والمزاح ، والهزل ، والهزء ، والتعيير ، والمماراة ، والمضادة ، والغدر ، وشدة الحرص على حصول المال والجاه ، وهي بأجمعها أخلاق رديئة مذمومة شرعا ، ولا خلاص من الغضب مع بقاء هذه الأسباب ، فلا بد من إزالتها بأضدادها ، فينبغي أن تميت الزهو بالتواضع ، وتميت العجب بمعرفتك بنفسك ، وتزيل الفخر بأنك من جنس أقل مخلوق ، إذ الناس يجمعهم في الانتساب أب واحد ، وإنما الفخر بالفضائل ، والفخر والعجب أكبر الرذائل ، وأما المزاح فتزيله بالتشاغل بالمهمات الدينية التي تستوعب [ ص: 208 ] العمر وتفضل عنه ، وأما الهزل فتزيله بالجد في طلب الفضائل والأخلاق الحسنة ، والعلوم الدينية التي تبلغك إلى سعادة الآخرة ، وأما الهزء فتزيله بالتكرم على إيذاء الناس ، وبصيانة النفس عن أن يستهزأ بك ، وأما التعيير فبالحذر عن القول القبيح ، وصيانة النفس عن مر الجواب ، وأما شدة الحرص فبالصبر على مر العيش ، وبالقناعة بقدر الضرورة طلبا لعز الاستغناء ، وترفعا عن ذل الحاجة .
وكل خلق من هذه الأخلاق وصفة من هذه الصفات يفتقر في علاجه إلى رياضة وتحمل ومشقة ، وحاصل رياضتها الرجوع إلى معرفة غوائلها ؛ لترغب النفس عنها ، وتنفر عن قبحها ، ثم المواظبة على مواظبة أضدادها مدة مديدة حتى تصير بالعادة هينة مألوفة على النفس ، فإذا انمحت عن النفس فقد زكت وتطهرت عن هذه الرذائل ، وتخلصت أيضا من الغضب الذي يتولد منها .
وأشد البواعث للغضب عند أكثر الجهال ، حتى تميل النفس إليه وتستحسنه ، وهذا من الجهل ، بل هو مرض قلب ونقصان عقل ، ويعالج هذا الجاهل بأن تتلى عليه حكايات أهل الحلم والعفو ، وما استحسن منهم من كظم الغيظ ، فإن ذلك منقول عن الأنبياء والعلماء . تسميتهم الغضب شجاعة وعزة نفس