وحكمه وأقسامه : حقيقة الحسد
: الحسد نوعان
أحدهما : كراهة النعمة وحب زوالها عن المنعم عليه .
وثانيهما : عدم محبة زوالها وتمني مثلها ، وهذا يسمى غبطة ، فالأول حرام بكل حال ، إلا نعمة أصابها فاجر وهو يستعين بها على محرم ، كإفساد ، وإيذاء ، فلا يضر محبة زوالها عنه من حيث هي آلة الفساد ، ويدل على الأخبار التي نقلناها ، وإن هذه الكراهة تسخط لقضاء الله في تفضيل بعض عباده على بعض ، وذلك لا عذر فيه ولا رخصة ، وأي معصية تزيد على كراهتك لراحة مسلم من غير أن يكون لك منه مضرة ؟ وإلى هذا أشار القرآن بقوله : ( تحريم الحسد إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها ) [ آل عمران : 120 ] وهذا الفرح شماتة ، والحسد والشماتة يتلازمان . وقال تعالى : ( ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ) [ ص: 214 ] [ الحشر : 9 ] أي لا تضيق صدورهم به ، ولا يغتمون ، فأثنى عليهم بعدم الحسد ، وأما المنافسة فليست بحرام ، بل قد تكون مطلوبة ، قال تعالى : ( وفي ذلك فليتنافس المتنافسون ) [ المطففين : 26 ] وقال تعالى : ( سابقوا إلى مغفرة من ربكم ) [ الحديد : 21 ] وقال - صلى الله عليه وسلم - : " " فلا حرج على من لا حسد إلا في اثنتين : رجل أتاه الله مالا فسلطه على هلكته في الحق ، ورجل آتاه الله علما فهو يعمل به ويعلمه الناس مهما لم يحب زوالها عنه ولم يكره دوامها له ، وأما يغبط غيره في نعمة ويشتهي لنفسه مثلها لرغبته فيها بحيث يكون مطلوبه تلك النعمة لا زوالها - فهو مذموم لقوله تعالى : ( تمني عين نعمة الغير بانتقالها إليه ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض ) [ النساء : 32 ] وأما تمنيه لمثل ذلك فليس مذموما ، فاعرف الفرق .