[ ص: 269 ] كتاب التوبة
: حقيقة التوبة
اعلم أن التوبة معنى ينتظم من ثلاثة أمور : علم وحال وفعل ، والأول موجب للثاني ، والثاني موجب للثالث إيجابا اقتضاه سنة الله في الملك والملكوت .
أما العلم فهو معرفة عظم الذنوب وكونها سموما مهلكة وحجابا بين العبد وبين كل محبوب ، فإذا عرف ذلك معرفة محققة بيقين غالب على قلبه ثار من هذه المعرفة تألم للقلب بسبب فوات المحبوب ، فإن القلب مهما شعر بفوات محبوبه تألم ، فإن كان فواته بفعله تأسف على الفعل المفوت فيسمى تألمه بسبب فعله المفوت لمحبوبه ندما ، فإذا غلب هذا الألم على القلب واستولى انبعث من هذا الألم في القلب حالة أخرى تسمى إرادة وقصدا إلى فعل له تعلق بالحال وبالماضي وبالاستقبال ، أما تعلقه بالحال فبالترك للذنب الذي كان ملابسا ، وأما بالاستقبال فبالعزم على ترك الذنب المفوت للمحبوب إلى آخر العمر ، وأما بالماضي فبتلاقي ما فات بالخير والقضاء إن كان قابلا للخير .
فالعلم والندم والقصد المتعلق بالترك يطلق اسم التوبة على مجموعها . وكثيرا ما يطلق اسم التوبة على معنى الندم وحده ، ويجعل العلم كالمقدمة والترك كالثمرة ، وبهذا الاعتبار جاء في الأثر : " الندم توبة " إذ لا يخلو الندم من علم أوجبه وأثمره وعن عزم يتبعه ويتلوه .