ما يفعله التائب بعد الذنب  
اعلم أن الواجب على التائب - إن كان جرى عليه ذنب إما عن قصد وشهوة غالبة أو عن إلمام بحكم الاتفاق - هو أن يبادر إلى التوبة والندم والاشتغال بالتكفير بحسنة تضادها ، فإن لم تساعده النفس على العزم على الترك لغلبة الشهوة ، فقد عجز عن أحد الواجبين ، فلا ينبغي أن يترك الواجب الثاني وهو أن يدرأ بالحسنة السيئة فيمحوها فيكون ممن خلط عملا صالحا وآخر سيئا ، فالحسنات المكفرة للسيئات إما بالقلب وإما باللسان وإما بالجوارح ، ولتكن الحسنة في محل السيئة وفيما يتعلق بأسبابها ، فأما بالقلب فليكفره بالتضرع إلى الله - تعالى - في سؤال المغفرة والعفو ، ويتذلل تذلل العبد الآبق ، ويخفض من كبره فيما بين العباد ، وكذلك يضمر بقلبه الخيرات للمسلمين والعزم على الطاعات . 
وأما باللسان فبالاعتراف بالظلم والاستغفار فيقول : " رب ظلمت نفسي وعملت سوءا فاغفر لي ذنوبي   " وكذلك يكثر من ضروب الاستغفار المأثورة . وأما بالجوارح فبالطاعات والصدقات وأنواع العبادات . وبالجملة فينبغي أن يحاسب نفسه كل يوم ويجمع سيئاته ويجتهد في دفعها بالحسنات . 
واعلم أنه ليس كل استغفار نافعا ، ففي خبر : " المستغفر من الذنب وهو مصر عليه  كالمستهزئ بآيات الله   " وقال بعض السلف : " الاستغفار باللسان توبة الكذابين " وقالت " رابعة    " : "استغفارنا يحتاج إلى استغفار كثير " وذلك ؛ لأن الاستغفار الذي هو توبة الكذابين هو الاستغفار بمجرد اللسان من غير أن يكون للقلب فيه شركة ، كما يقول الإنسان بحكم العادة وعن رأس الغفلة : "أستغفر الله " ، وكما يقول إذا سمع صفة النار : "نعوذ بالله منها " من غير أن يتأثر به قلبه ، وهذا يرجع إلى مجرد حركة اللسان ولا جدوى له ، فأما إذا انضاف إليه تضرع القلب إلى الله - تعالى - وابتهاله في سؤال المغفرة عن صدق إرادة وخلوص نية ورغبة ، فهذه حسنة في نفسها فتصلح لأن تدفع بها السيئة ، وعلى هذا تحمل الأخبار الواردة في فضل الاستغفار حتى قال - صلى الله عليه وسلم - : " ما أصر من استغفر ولو عاد في اليوم سبعين مرة   " ثم إن للتوبة ثمرتين    . 
إحداهما : تكفير السيئات حتى يصير كمن لا ذنب له . 
والثانية : نيل الدرجات . 
وللتكفير أيضا درجات : فبعضه محو لأصل الذنب بالكلية ، وبعضه تخفيف له ، ويتفاوت ذلك بتفاوت درجات التوبة ، فالاستغفار بالقلب والتدارك بالحسنات وإن خلا عن حل عقدة   [ ص: 279 ] الإصرار فليس يخلو عن الفائدة أصلا ، فلا ينبغي أن تظن أن وجودها كعدمها فإنه لا تخلو ذرة من خير عن أثر كما لا تخلو شعيرة تطرح في الميزان عن أثر ، فإياك أن تستصغر ذرات الطاعات فلا تأتيها وذرات المعاصي فلا تنفيها . فإن التضرع والاستغفار بالقلب حسنة لا تضيع عند الله أصلا بل أقول : الاستغفار باللسان أيضا حسنة ؛ إذ حركة اللسان بها عن غفلة خير من حركة اللسان في تلك الساعات بغيبة مسلم أو فضول كلام ، " فرابعة    " بقولها : "استغفارنا يحتاج إلى استغفار كثير " لا تظن أنها تذم حركة اللسان من حيث أنه ذكر الله ، بل تذم غفلة القلب فهو محتاج إلى الاستغفار من غفلة قلبه لا من حركة لسانه . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					