: حقيقة الصبر وأقسامه
اعلم أن الصبر عبارة عن ثبات باعث الدين في مقابلة باعث الهوى ، وباعث الدين هو ما هدي إليه الإنسان من معرفة الله ورسوله ومعرفة المصالح المتعلقة بالعواقب ، وهي الصفة التي بها فارق الإنسان البهائم في قمع الشهوات .
وباعث الهوى هو مطالبة الشهوات بمقتضاها ، فمن ثبت حتى قهره واستمر على مخالفة الشهوة التحق بالصابرين ، وإن تخاذل وضعف حتى غلبته الشهوة ولم يصبر في دفعها التحق بأتباع الشياطين .
ثم إن باعث الدين بالإضافة إلى باعث الهوى له ثلاثة أحوال :
أحدها : أن يقهر داعي الهوى فلا تبقى له قوة المنازعة ويتوصل إليه بدوام الصبر ، وعند هذا يقال : "من صبر ظفر " والواصلون إلى هذه الرتبة هم الأقلون فلا جرم هم الصديقون المقربون : ( الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا ) [ فصلت : 30 ، والأحقاف : 13 ] .
الحالة الثانية : أن تغلب دواعي الهوى ، وتسقط بالكلية منازعة باعث الدين ، فيسلم نفسه إلى جند الشياطين ولا يجاهد ، وهؤلاء هم الغافلون وهم الأكثرون ، وهم الذين استرقتهم شهواتهم وغلبت عليهم شقوتهم فحكموا أعداء الله في قلوبهم : ( أولئك الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة ) [ ص: 282 ] [ البقرة : 86 ] . فخسرت صفقتهم .
الحالة الثالثة : أن يكون الحرب سجالا بين الجندين ، فتارة له اليد عليها وتارة لها عليه ، وهذا من المجاهدين يعد لا من الظافرين ، وأهل هذه الحالة هم الذين خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسى الله أن يتوب عليهم .
والتاركون للمجاهدة مع الشهوات مطلقا يشبهون بالأنعام بل هم أضل سبيلا ، إذ البهيمة لم تخلق لها المعرفة والقدرة التي بها تجاهد مقتضى الشهوات ، وهذا قد خلق له ذلك وعطله فهو الناقص حقا .
وإذا دامت التقوى وقوي التصديق بما في العاقبة من الحسنى تيسر الصبر .