فمنهم الشيخ المسكين ، الناصح الأمين ، الناطق بالفضل الرصين [ ص: 190 ] أبو محمد سهل بن عبد الله بن يونس بن عيسى بن عبد الله بن رفيع التستري ، تخرج عن خاله محمد بن سوار ، ولقي أبا الفيض ذا النون المصري بالحرم ، كان عامة كلامه في تصفية الأعمال وتنقية الأحوال عن المعايب والأعلال .
سمعت أبي يقول : سمعت أبا بكر الجوربي ، يقول : سمعت ، يقول : أبا محمد سهل بن عبد الله ، والاقتداء بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأكل الحلال وكف الأذى واجتناب الآثام ، والتوبة وأداء الحقوق . أصولنا ستة أشياء : التمسك بكتاب الله تعالى
وقال : ، ولا يجول بقلبه سوى ما أحب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم . وسئل : هل للمقتدي اختيار بالاستحسان ؟ قال : لا إنما جعل السنة واعتقادها بالاسم ولا تخلو من أربعة : الاستخارة والاستشارة والاستعانة والتوكل ، فتكون له الأرض قدوة ، والسماء له علما وعبرة ، وعيشته في حاله ; لأن حاله المزيد ، وهو الشكر . من كان اقتداؤه بالنبي صلى الله عليه وسلم لم يكن في قلبه اختيار لشيء من الأشياء
وقال : فاجتنب ما نهى الله تعالى عنه عند فساد الأمور وعند تشويش الزمان واختلاف الناس في الرأي والتفريق إلا جعله الله إماما يقتدى به هاديا مهديا قد أقام الدين في زمانه ، وأقام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وهو الغريب في زمانه الذي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أيما عبد قام بشيء مما أمره الله به من أمر دينه فعمل به وتمسك به " . بدأ الإسلام غريبا وسيعود كما بدأ
شاء أو أبى بتقديمه النية ، ولا يعرف الجهل إلا عالم فقيه زاهد عابد حكيم . وما من عبد دخل في شيء من السنة وكان نيته متقدمة في دخوله لله إلا خرج الجهل من سره
وسئل ؟ قال : يعرف حاله فيما بينه وبين الله وبعد عرفان حاله فيما بينه وبين الله يعرض نفسه على الكتاب والأثر ، ويقتدي في الأشياء بالسنة . وقال : على هذا الخلق من الله أن يلزموا أنفسهم سبعة أشياء ، فأولها الأمر والنهي وهو الفرض ، ثم السنة ثم الأدب ثم الترهيب ثم الترغيب ، ثم السعة ، فمن لم يلزم نفسه هذه السبعة ، ولم يعمل بها لم يكمل إيمانه ، ولم يتم عقله ولم يتهنأ بحياته ، ولم يجد لذة طاعة ربه ، قال : وسمعت سهلا يقول : [ ص: 191 ] اعلموا إخواني أن كيف يتخلص العبد من خدعة نفسه وعدوه . وكل علامة يعرف بها وشهادة تشهد له بها بما له وعليه ، فعلامة الخائف الاشتغال بالتخلص مما يخاف فلا يزال خائفا حتى يتخلص ، فإذا تخلص مما يخاف اطمأن وسكن ، فهذه علامة الخائفين . العباد عبدوا الله على ثلاثة وجوه : على الخوف ، والرجاء ، والقرب
وأما الراجي فإنه رجا الجنة وطلب نعيمها وملكها ، فأعطى القليل في طلب الكثير ، فبذل نفسه وخاف أن يسبقه أحد إليها ، فجد في البذل وتحرز من الدنيا ألا يقف غدا في الحساب فيسبق ، فهذه علامة الراجي .
وأما العارف الذي طلب معرفة الله وقربه فإنه بذل ماله فأخرجه ثم نفسه فباعه ثم روحه فأباحه ، فلو لم تكن جنة ولا نار لما مال ولا زال ولا فتر ، فهذه علامة العارف .
فانظروا الآن أيها العقلاء من أي القوم أنتم ؟ أموتى لا حياة فيكم ، أم لا موتى ولا أحياء ، أم أحياء حيوا بحياة الخلد ؟ ويحك إن الخائف حي بحياة واحدة ، وللراجي حياتان وللعارف ثلاث حياوات : وهي الحياة التي لا موت فيها ، فحياة الخائف إذا أمن من النار فقد حيي بحياة ، ثم يتم بحياة ثانية ويدخل الجنة بغير حساب ، والراجي أمن من العذاب ومن الحساب فمر إلى الجنة مع السابقين بغير حساب فصار له أمانان ، وأما العارف فصار له أمان من النار والأمان الثاني صار إلى الرحمن ، وصار الراجي إلى الجنة فسبق هو إلى الرحمن فصار له ثلاث حيوات ، فانظروا من أي القوم أنتم ؟ واسلكوا طريق العارفين ، ولا ترضوا لربكم بهدية الدون ، فبقدر ما تهدون تكرمون وتقربون وبقدر ما تقربون تنعمون ، ولا حول ولا قوة إلا بالله .
وقال : : احتمال المئونة ، والرفق في كل شيء ، والحذر أن لا يميل في الهوى ولا مع الهوى ولا إلى الهوى ، ثم لا بد له من ثلاث أحوال أخر ، وفيها اكتساب العلم العالي ، والحلم والتواضع ، ثم لا بد له من ثلاثة أخر ، وفيها اكتساب المعرفة ، وأخلاق أهلها السكينة والوقار والصيانة والإنصاف ، ومن أخلاق الإسلام والإيمان الحياء ، وكف الأذى وبذل المعروف ، والنصيحة وفيها أحكام التعبد . أول ما ينبغي للعبد أن يتخلق به ثلاثة أخلاق وفيها اكتساب للعقل
وقال : ، فعلامة الصدق الصبر [ ص: 192 ] وعلامة اليقين النصيحة ، وعلامة الرضا ترك الخلاف ، وعلامة الحب الإيثار ، والصبر يشهد للصدق ، وقال : الجاهل ميت والناسي نائم والعاصي سكران ، والمصر ندمان " . أركان الدين أربعة : الصدق ، واليقين ، والرضا ، والحب
سمعت أبا عمر عثمان بن محمد العثماني يقول : سمعت أبا بكر محمد بن يحيى بن أبي بدر يقول : سمعت يقول : " أبا محمد سهل بن عبد الله ومن النسيان إلى الذكر ومن المعصية إلى الطاعة ، ومن الإصرار إلى التوبة " . الانقطاع من الشهوات الخروج من الجهل إلى العلم
قال : وسمعت يقول في قوله تعالى : ( أبا محمد سهل بن عبد الله ومن يتق الله يجعل له مخرجا ) قال : ، ويرجع إلى حول الله وقوته ، يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ، ( من يتق الله في دعواه فلا يدعي الحول والقوة ويتبرأ من حوله وقوته ومن يتوكل على الله فهو حسبه ) قال : لا يصح التوكل إلا لمتق ، ولا تتم التقوى إلا لمتوكل . لقوله تعالى : ( وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين ) قال : إن كنتم مصدقين أنه لا دافع ولا نافع غير الله لقوله تعالى : ( ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده وهو العزيز الحكيم ) .
قال : وسمعت أبا محمد يقول : النصيحة ، والرحمة ، والصدق ، والإنصاف ، والتفضل ، والاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم ، والاستعانة بالله على ذلك إلى الممات . أركان الدين
قال : وسمعت أبا محمد ، يقول : " دخل قوم على النبي صلى الله عليه وسلم فقال : " من القوم ؟ " فقالوا : مؤمنون ، فقال : " إن ؟ " قالوا : الشكر عند الرخاء ، والصبر عند البلاء ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " فقهاء علماء كادوا من الفقه أن يكونوا أنبياء " ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم : " إذا كان الأمر كما تقولون فلا تبنوا ما لا تسكنون ولا تجمعوا ما لا تأكلون ، واتقوا الله الذي إليه تصيرون " لكل قول حقيقة فما حقيقة إيمانكم . قال أبو محمد : ففسروا " لا تبنوا ما لا تسكنون " يعني الأمل ، " ولا تجمعوا ما لا تأكلون " يعني الحرص " ، " واتقوا الله الذي إليه تصيرون " يعني المراقبة .
حدثنا عثمان بن محمد ، ثنا العباس بن أحمد ، قال سهل بن عبد الله : " " . لا يفتح الله قلب عبد فيه ثلاثة أشياء : حب البقاء ، وحب الغنى ، وهم غد
قال : [ ص: 193 ] وسئل سهل بن عبد الله : ؟ قال : إذا لم ير وقتا غير الوقت الذي هو فيه . متى يستريح الفقير من نفسه
حدثنا عثمان بن محمد قال : سمعت محمد بن أحمد ، يقول : سمعت أصحابنا ، يقولون : إن أول ما حفظ من كلام سهل بن عبد الله أن قال : ، ولا منعهم من الحسنات بجوده وكرمه ، ولكن حرم عليهم أن يجدوا بقلوبهم شيئا مما يجده الصديقون بقلوبهم إلا في الضرورة من الحلال ، وذلك أن الله أعز وأغير من أن يعطي آخذ الشهوات شيئا من مواجد القلوب إلا في حال الضرورة ، قال : فقال له إن الله لم يبطل حسنات من أخذ الشهوات في هوى نفسه إبراهيم - كالمنكر عليه - : يا أخي ، أيش هذا ؟ فقال : حق لزمني ، قال : وما هو ؟ قال : مات ، قال : متى ؟ قال : أمس . ذو النون
حدثنا أبو القاسم عبد الجبار بن شيراز بن زيد النهرجوطي - في كتابه - وحدثني عنه عثمان بن محمد العثماني قال : قال سهل بن عبد الله : ما حالك فيه ؟ حتى تسلم ويعظم قدره في نفسك وعندك . لا تفتش عن مساوئ الناس ورداءة أخلاقهم ولكن فتش وابحث في أخلاق الإسلام
حدثنا عثمان بن محمد قال : قرئ على أبي الحسن أحمد بن محمد الأنصاري قال : سمعت محمد بن أحمد بن سلمة النيسابوري قال : سمعت يقول : أبا محمد سهل بن عبد الله لآدم : يا آدم إني أنا الله لا إله إلا أنا ، فمن رجا غير فضلي وخاف غير عدلي ، لم يعرفني ، يا قال الله آدم إن لي صفوة وضنائن وخيرة من عبادي ، أسكنتهم صلبك ، بعيني من بين خلقي ، أعزهم بعزي ، وأقربهم من وصلي ، وأمنحهم كرامتي ، وأبيح لهم فضلي ، وأجعل قلوبهم خزائن كتبي ، وأسترهم برحمتي ، وأجعلهم أمانا بين ظهراني عبادي ، فبهم أمطر السماء ، وبهم أنبت الأرض ، وبهم أصرف البلاء ، هم أوليائي وأحبائي ، درجاتهم عالية ، ومقاماتهم رفيعة ، وهممهم بي متعلقة ، صحت عزائمهم ودامت في ملكوت غيبي فكرتهم فارتهنت قلوبهم بذكري ، فسقيتهم بكأس الأنس صرف محبتي ، فطال شوقهم إلى لقائي ، وإني إليهم لأشد شوقا ، يا آدم من طلبني من خلقي وجدني ، ومن [ ص: 194 ] طلب غيري لم يجدني ، فطوبى يا آدم لهم ، ثم طوبى لهم ، ثم طوبى لهم وحسن مآب ، يا آدم هم الذين إذا نظرت إليهم هان علي غفران ذنوب المذنبين لكرامتهم علي ، قلت : يا أبا محمد ، زدنا من هذا الضرب رحمك الله فإنها ترتاح القلوب وتتحرك ، فقال : نعم ؛ داود عليه السلام : يا داود ، إذا رأيت لي طالبا فكن له خادما ، فكان إن الله تعالى أوحى إلى داود يقول في مزاميره : واها لهم ، يا ليتني عاينتهم يا ليت خدي نعل موطئهم . ثم احمرت بعد أدمته أو اصفر لونه وجعل يقول : جعل الله نبيه وخليفته خادما لمن طلبه ، لو عقلت - وما أظنك تعقل - قدر أولياء الله وطلابه ولو عرفت قدرهم لاستغنمت قربهم ومجالستهم وبرهم وخدمتهم وتعاهدتهم .
قال : وسمعت سهل بن عبد الله ، يقول : ، لم يعجبه شيء ولم يسكن إلى شيء غير الله قط ، فالله مؤنسه ومؤدبه وكالئه وحافظه وجليسه وأنيسه ، إياه يناجي ، وله ينادي ، وبه يستأنس ، وإليه يرغب ، وإليه يستريح ، قال الله جل ذكره : طوبى لمن خلقته فعرفني ، ودعوته فأجابني ، وأمرته فأطاعني ، ورزقته فحمدني ، وأعطيته فشكرني ، وابتليته فصبر لي ، وعافيته فذكرني ومدحني . إذا خلا العبد من الدنيا وهرب من نفسه إلى الله وسقط من قلبه أثر الخلائق
سمعت عثمان بن محمد ، يقول : سمعت أبا محمد بن صهيب يقول : سمعت سهل بن عبد الله يقول : ، والعلم كله وبال إلا العمل به ، والعمل كله هباء منثور إلا الإخلاص فيه ، والإخلاص فيه أنت منه على وجل حتى تعلم هل قبل أم لا ؟ . الدنيا كلها جهل إلا العلم فيها
قال : وسمعت سهلا يقول : . شكر العلم العمل ، وشكر العمل زيادة العلم
حدثنا عثمان بن محمد العثماني قال : سمعت أبا محمد بن صهيب يقول : سمعت سهل بن عبد الله يقول : ، فأيما قلب أو نفس رأى فيه حاجة إلى سواه سلط عليه إبليس . ما من قلب ولا نفس ، إلا والله مطلع عليه في ساعات الليل والنهار
قال : وسمعت سهلا يقول : الله قبلة النية ، ، والقلب قبلة البدن ، والبدن قبلة الجوارح ، والجوارح قبلة الدنيا . والنية قبلة القلب
[ ص: 195 ] سمعت أبا الحسن أحمد بن محمد بن مقسم يقول : سمعت أبا بكر بن المنذر الهجيمي يقول : سمعت سهل بن عبد الله يقول : . من ظن أنه يشبع من الخبز جاع
قال : وسمعت سهلا يقول : . البطنة أصل الغفلة
قال : وسمعت سهلا يقول : لا تخلص له حسناته وهو مقيم على سيئة واحدة ، ولا يتخلص من هواه حتى يخرج من جميع ما يعرف من نفسه مما يكرهه الله . لا يكون العبد مقيما على معصية إلا وجميع حسناته ممزوجة بالهوى
قال : وسمعت سهلا يقول ، وسئل عن معنى واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا ) قال : لسانا ينطق عنك لا ينطق عن غيرك . قوله تعالى : (
قال : وسمعت سهلا يقول : ، وتؤدي حق الله فيها وتنصح فيها لنفسك ، فإذا أصبحت فكذلك . إذا جنك الليل فلا تأمل النهار حتى تسلم ليلتك لك
قال : وسمعت سهلا يقول : : أهل الدنيا يصبرون للدنيا حتى ينالوا منها ، وأهل الآخرة يصبرون على آخرتهم حتى ينالوا منها . الصبر في الدنيا صنفان
قال : وسمعت سهلا يقول : ، وورعه بالإخلاص ، وإخلاصه بالمشاهدة ، والمشاهدة بالتبرؤ مما سواه . لا يكمل للعبد شيء حتى يصل علمه بالخشية ، وفعله بالورع
سمعت أبا الحسن بن مقسم يقول : سمعت أبا الحسن النحاس - جارنا - يقول : سمعت سهل بن عبد الله يقول : . الفترة غفلة ، والخشية يقظة ، والقسوة موت
سمعت أبا الحسن يقول : سمعت محمد بن المنذر يقول : سمعت سهل بن عبد الله يقول : ، ومن طعن في التكسب فقد طعن في السنة . من طعن في التوكل فقد طعن في الإيمان
سمعت أبي يقول : سمعت أبا بكر الجوربي يقول : سئل سهل بن عبد الله عن قال : هو كاسمه ، هو عبد والعبد لله والله للعبد ، وإذا كان من العبد حدث فهو ثالث وهو حجاب ، فالعبد مبتلى بالله وبنفسه ، وقال البلوى من الله للعبد سهل : أربعة للعباد على الله وهو حكم بها على نفسه ، أولها : ، ومن رجاه بلغ به رجاءه وأمله ، ومن تقرب إليه بالحسنات قبل منه وأثابه للواحدة عشرا ، ومن توكل عليه قبله ولم يكله إلى نفسه وتولى أمره ، وقيل : أي العمل [ ص: 196 ] يعمل حتى يعرف عيوب نفسه ؟ قال : من خاف الله أمنه الله ، قيل : فأي منزلة إذا قام العبد بها أقام مقام العبودية ؟ قال : إذا ترك التدبير ، قيل : فأي منزلة إذا قام بها أقام الصدق ؟ قال : إذا توكل عليه فيما أمره به ونهاه عنه . لا يعرف عيوب نفسه حتى يحاسب نفسه في أحواله كلها
سمعت أبي يقول : سمعت أبا بكر يقول : سمعت سهل بن عبد الله يقول : ، فبلوى رحمة يبعث صاحبها على إظهار فقره وفاقته إلى الله وترك تدبيره ، وبلوى عقوبة يترك صاحبها على اختياره وتدبيره وقيل : مثل الابتلاء مثل المرض والسقم ، يمرض الواحد مائة سنة فلا يموت فيه ، ويمرض آخر ساعة واحدة فيموت فيه ، كذلك يعصي الله عبد مائة سنة فيختم له بخير وينجو ، وآخر يتكلم بكلمة معصية في ساعة فيجره إلى الكفر فيهلك ، فمن ذلك عظم الخطر ودام الجد واشتد البلاء . وقال : البلوى من الله على جهتين : فبلوى رحمة وبلوى عقوبة ; إذا غضب دخل عليه من الإثم أكثر مما يدخل عليه في المرض . الغضب أشد في البدن من المرض
قال : وسمعت سهلا يقول : قال الله تعالى : كل نعمة مني عليكم إذا عرفتموها صيرتها لكم شكرا ، وكل ذنب كان منكم إذا عرفتموه صيرته غفرانا . وقال : . ليس في خزائن الله أكبر من التوحيد
وقال سهل بن عبد الله : ، وبذرها الحرص ، وماؤها الجهل ، وصاحبها الإصرار ، وتربة الطاعة المعرفة ، وبذرها اليقين ، وماؤها العلم ، وصاحبها السعيد المفوض أموره إلى الله تعالى . وقال : تربة المعاصي الأمل ، من ظن ظن السوء حرم اليقين ، ومن تكلم فيما لا يعنيه حرم الصدق ، فإذا حرم هذه الثلاثة هلك وهو مثبت في ديوان الأعداء . وقال : ومن اشتغل بالفضول حرم الورع ، ولا يهتك ستر ما اطلع عليه إلا ملعون وقال : من خدم خدم ، ومعناه من ترك التدبير والاختيار وفق ومن لم يوفق لم يترك التدبير ؛ فإن الفرج كله في تدبير الله لنا برضاه ، والشقاء كله في تدبيرنا ، ولا نجد السلامة حتى نكون في التدبير كأهل القبور . وقال : لسان الإيمان التوحيد ، وفصاحته العلم وصحة بصره اليقين مع العقل . [ ص: 197 ] وقال : النية اسم الأسامي ، والطاعات أسامي ، والنية الإخلاص ، وكما يثبت حكم الظاهر بالفعل كذلك يثبت حكم السر بالنية ، ومن لا يعرف نيته لا يعرف دينه ، ومن ضيع نيته فهو حيران ، ولا يبلغ العبد حقيقة علم النية حتى يدخله الله في ديوان أهل الصدق ويكون عالما بعلم الكتاب وعلم الآثار وعلم الاقتداء وقال : لا يطلع على عثرات الخلق إلا جاهل . وقال : الهجرة فرض إلى يوم القيامة : من الجهل إلى العلم ومن النسيان إلى الذكر ومن المعصية إلى الطاعة ، ومن الإصرار إلى التوبة وقال : المؤمن من راقب ربه وحاسب نفسه وتزود لمعاده . وقال : ألم أقل لك دع دنياك عند أعدائك وضع سرك عند أحبائك ؟ وقال : من اشتغل بما لا يعنيه نال العدو منه حاجته في يقظته ومنامه ، ولا يجتنب الآثام إلا صديق مقرب ، وأما أعمال البر يعملها البر والفاجر . ليس من عمل بطاعة الله صار حبيب الله ، ولكن من اجتنب ما نهى عنه الله صار حبيب الله
سمعت أبا الحسن بن مقسم يقول : سمعت أبا بكر محمد بن المنذر الهجيمي يقول : قال سهل بن عبد الله : . الخلق كلهم بالله يأكلون وفي عبادته ، غيره يشركون
قال : سهل عن العقل ، فقال : احتمال المئونة والأذى من الخلق . وسئل
وقال سهل : ، ومن عرض عليه الصراط في الدنيا دق له في الآخرة . قال : وربما قال : لله في الخبز سر ، وسألت عنه أكثر من عشرة آلاف عابد وعابدة فما أحد منهم أخبرني بسر الخبز . من دق الصراط عليه في الدنيا عرض عليه في الآخرة
سمعت أبا الحسن يقول : سمعت محمد بن المنذر يقول : سمعت سهل بن عبد الله يقول وسأله رجل فقال : يا أبا محمد . إلى من تأمرني أن أجلس ؟ فقال له : إلى من تكلمك جوارحه لا من يكلمك لسانه
قال : وسمعت سهل بن عبد الله يقول : في حياة الأبد ، ومن نازع الله ربوبيته قصمه الله ، ألا ترى أنهم يحبون الغنى والله هو الغني وهم الفقراء ، ويحبون الأمر والنهي والله تعالى يقول : ( من تخلى عن الربوبية وأفرد الله بها واعترف بالعبودية وعبد الله بها استحق من الله الملك الأعظم ألا له الخلق والأمر ) ويحبون البقاء والله تعالى [ ص: 198 ] يقول : ( كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ) ويحبون الدنيا والله يبغضها ، ويريدونها والله لا يريدها ، فهم ينازعون الله الربوبية ، ويعادونه فيما أحب .
قال سهل : والأمل أرض كل معصية ، والحرص بذر كل معصية ، والتسويف ماء كل معصية ، والندم أرض كل طاعة ، واليقين بذر كل طاعة ، والعمل ماء كل طاعة ، ، وبقدر ما تخالف نفسك وهواك وشهوتك ترضي مولاك ، وبقدر ما تعرف عدوك وعداوته - يعني إبليس - تعرف ربك . وبقدر ما تهدم من دنياك تبني لآخرتك
قال : وسمعت سهل بن عبد الله يقول : من كان عمله لله جلا ذلك عن قلبه ذكر كل شيء سوى الله ، قال : وسمعته يقول : إن الناس دخلوا الجنة بالعمل فاجتهدوا أن تدخلوها بترك العمل ، وسئل عن فقال : نسيان التوكل . حقيقة التوكل
قال : وسمعت سهل بن عبد الله يقول : إن الله أجاع الخلق فطلبوا من البعد فمنعهم إياه من القرب ، وسمعته يقول : . لزوم الباب طلب العبد إلى مولاه أن يثبته على الإيمان ويقبضه عليه
سمعت أبا الحسن بن مقسم يقول : سمعت أبا الفضل الشيرجي جعفر بن أحمد يقول : سمعت سهل بن عبد الله يقول وسئل عن قوله : ( وذروا ظاهر الإثم وباطنه ) ظاهره الفعال وباطنه الحب له .
قال : وسمعت سهلا يقول : ، ولا ينسب إلى الظلم من الفرع ، ولا غنى بنا عنه فيما بين طرفة عين ولا أقل . إن الله تعالى لا ينسب إلى الجهل في الأصل
حدثنا محمد بن الحسين بن موسى قال : سمعت أبا الحسن الفارسي يقول : سمعت عباس بن عصام يقول : سمعت سهل بن عبد الله يقول : ، ولا زاد إلا التقوى ، ولا عمل إلا الصبر عليه . لا معين إلا الله ، ولا دليل إلا رسول الله
وقال سهل : : عيش الملائكة في الطاعة ، وعيش الأنبياء في العلم وانتظار الوحي ، وعيش الصديقين في الاقتداء ، وعيش سائر الناس - عالما كان أو جاهلا ، زاهدا كان أو عابدا - في الأكل والشرب . العيش على أربعة أوجه
وقال سهل : الضرورة للأنبياء ، والقوام للصديقين ، والقوت للمؤمنين ، والمعلوم للبهائم ، والآيات والمعجزات للأنبياء ، والكرامات للأولياء ، والمعونات للمريدين ، والتمكين [ ص: 199 ] لأهل الخصوص ، . ومن خلا قلبه من ذكر الآخرة تعرض لوساوس الشيطان
سمعت أبي يقول : سمعت خالي أحمد بن محمد بن يوسف يقول : سمعت سهل بن عبد الله يقول : أليس الله بكاف عبده ) واستعبدهم بالآخرة فقال ( كفى الله العباد دنياهم فقال عز من قائل : ( وتزودوا فإن خير الزاد التقوى ) .
وسمعت سهلا يقول : ، وقال : ( أول العيش في ثلاث : اليقين والعقل والروح وإياي فاتقون ) موضع العلم السابق وموضع المكر والاستدراج ( وإياي فارهبون ) ، موضع اليقين ومعرفته ، وقال : على قدر قربهم من التقوى أدركوا اليقين ، وأصل اليقين مباينة النهي ، ومباينة النهي مباينة النفس ، فعلى قدر خروجهم من النفس أدركوا اليقين ، وتتفاضل الناس في القيامة على قدر يقينهم ، فمن كان أوزن يقينا كان من دونه في ميزانه ، ومن لم يكن تعبده لله كأنه يراه أو يعلم أنه يراه ، فهو غافل عن الله ، وعلى قدر مشاهدته يتعرف الابتلاء وعلى قدر معرفته بالابتلاء يطلب العصمة ، وعلى قدر طلبه العصمة يظهر فقره وفاقته إلى الله ، وعلى قدر فقره وفاقته يتعرف الضر والنفع ويزداد علما وفهما وبصرا .
وقال سهل : ثلاثة أشياء احفظوها مني وألزموها أنفسكم : ، وأنزلوا حاجتكم به وموتوا ببابه . وقال : لا تشبعوا ولا تملوا من عملكم فإن الله شاهدكم حيثما كنتم : أصل الدعوى والمعصية ، وصاحب المعصية إذا خوفته واحتججت عليه بالإيمان ينقاد ويخضع ويقر بالخوف ، وصاحب الدعوى لا يقر بالحق ولا ينقاد للخوف ألبتة ، ولا يوجد قلب أخلى من الخير ولا أقصى ولا أبعد من خوف الله من قلب المدعي . وقال : شيئان يذهبان خوف الله من قلب العبد . وقال : حكم المدعي أنه تصحبه هذه الثلاثة الخصال : تصحبه التزكية لنفسه وقد نهي عن ذلك ، وجهله بنعم الله عليه ، وجهله بحاله . أصل الهلاك الدعوى وأصل الخير الافتقار
حدثنا عثمان بن محمد قال : قرئ على أبي الحسن أحمد بن محمد بن عيسى ، سمعت أبا عبد الله محمد بن أحمد بن سلمة النيسابوري يقول : سمعت سهل بن عبد الله يقول : ، واقطع أسباب الطمع [ ص: 200 ] بصحة اليأس ، وتعرض لرقة القلب بمجالسة أهل الذكر ، واستجلب نور القلب بدوام الحذر ، واستفتح باب الحزن بطول الفكر ، وتزين لله بالصدق في كل الأحوال ، وتحبب إلى الله بتعجيل الانتقال ، وإياك والتسويف فإنه يغرق فيه الهلكى ، وإياك والغفلة فإن فيها سواد القلب ، وإياك والتواني فيما لا عذر فيه فإنها ملجأ النادمين ، واسترجع سالف الذنوب بشدة الندم وكثرة الاستغفار ، واستجلب زيادة النعم بعظيم الشكر ، واستدم عظيم الشكر بخوف زوال النعم . استجلب حلاوة الزهد بقصر الأمل
حدثنا عثمان بن محمد قال : قرئ على أبي الحسن ، قال يوسف بن الحسين : سئل سهل بن عبد الله : ، وأنشد : أي شيء أشق على إبليس ؟ قال : إشارة قلوب العارفين
قلوب العارفين لها عيون ترى ما لا يراه الناظرونا
.حدثنا عثمان بن محمد ، قال العباس بن أحمد : سئل : سهل . متى يستريح الفقير من نفسه ؟ قال : إذا لم ير وقتا غير الوقت الذي هو فيه
حدثنا أبو الحسن علي بن أحمد بن عبد الرحمن الغزالي الأصبهاني بالبصرة ، ثنا علي بن أحمد بن نوح الأهوازي قال : سمعت سهل بن عبد الله يقول : ، فإن لم تفعلوا فناجوني وحدثوني ، فإن لم تفعلوا فاسمعوا مني ، فإن لم تفعلوا فانظروا إلي ، فإن لم تفعلوا فكونوا ببابي وارفعوا حوائجكم ، فإني أكرم الأكرمين . خلق الله الخلق ليسارهم ويساروا الخلق
وقال سهل : ، قال : علم حاله في الحركة والسكون ، إن أتاه الموت أي شيء حاله فيما بينه وبين الله ؟ لأن الله هو المنعم ، فكيف شكره للمنعم ؟ وأدنى ما يجب للرب على العباد ألا يعصوه فيما أنعم عليهم ، وكيف حاله فيما بينه وبين الخلق ؟ على أي جهة ؟ على الرحمة والنصيحة أم على المكر والخديعة ؟ وقال : من أصبح وهمه ما يأكل ولم يكن همه هم قبره وحال لحده ، لو ختم البارحة القرآن ويصلي اليوم خمسمائة ركعة ، أصبح في يوم مشئوم عليه لهمة بطنه . وقال تعالى : ( طلب العلم فريضة على كل مسلم يعلم ما في أنفسكم فاحذروه ) قال : ما في غيبكم لم تفعلوه ستفعلونه فاحذروه ، قال : فاصرخوا إليه حتى يكون هو الذي يلي الأمر وهو الذي يصلح الشأن ، وهو الذي يعصم ، وهو الذي يوفق ، وهو الذي يختم بخير [ ص: 201 ] وقوله عز وجل : ( فاعلم أنه لا إله إلا الله ) قال : ألا نافع ولا دافع غير الله .
سمعت أبي يقول : سمعت أبا بكر الجوني يقول : سمعت سهل بن عبد الله يقول : ، ومعرفة العدو أجلى من معرفة الدنيا ، وقال : إذا عرف العدو عرف ربه ، وإذا عرف نفسه عرف مقامه من ربه ، وإذا عرف عقله عرف حاله فيما بينه وبين ربه ، وإذا عرف العلم عرف وصوله ، وإذا عرف الدنيا عرف الآخرة ، وقال : هي نعمة ومصيبة ، فالنعمة ما دعا الله الخلق إليه من معرفته ، والمصيبة ما ابتلاهم في أنفسهم ومخالفتها ، وقال : معرفة النفس أخفى من معرفة العدو ، ولا تضعف عليهم ، وفتح باب التوبة إلى الممات . وقال : ليس لأهل المعرفة همة غير هذه الثلاثة إذا أصلحوا : الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم ، والاستعانة بالله سبحانه وتعالى ، والاقتداء هو الافتقار والصبر على ذلك إلى الممات . وقال : الأصل الذي أنا أدعو إليه قولي : اتقوا يوما لا ليلة بعده وموتا لا حياة بعده ، والسلام . وقال : النفس صنم ، والروح شريك ، فمن عبد نفسه فقد عبد صنما ، ومن عبد روحه عبد شريكا ، ومن آثر الله وعبده بالإخلاص وهدم دنياه وعبد الله في روحه ومع روحه فقد عبد الله وآثره ، وقال : الأنفاس معدودة ، فكل نفس يخرج بغير ذكر الله فهي ميتة ، وكل نفس يخرج بذكر الله فهي موصولة بذكر الله . لله ثلاثة أشياء في خلقه : المعرفة والإحسان والحكم ، وثلاثة للعبد مع الله : تضعيف الحسنات والعفو عن السيئات
أخبرني جعفر بن محمد بن نصير الخلدي ، فيما كتب إلي قال : سمعت يقول : سمعت أبا محمد الجريري سهل بن عبد الله يقول : ، ولا يغتابون ولا يغتاب عندهم ، ولا يشبعون بطونهم ، وإذا وعدوا لم يخلفوا ، ولا يتكلمون إلا والاستثناء في كلامهم ، ولا يمزحون أصلا . من أخلاق الصديقين ألا يحلفوا بالله لا صادقين ولا كاذبين
قال : وسمعت سهلا يقول : . ذروا التدبير والاختيار فإنهما يكدران على الناس عيشهم
وقال سهل : اعلموا أن لفساد ما عليه أهل الزمان . هذا زمان لا ينال أحد فيه النجاة إلا بذبح نفسه بالجوع والصبر والجهد
[ ص: 202 ] حدثنا محمد بن الحسن قال : سمعت أبا الحسين الفارسي يقول : سمعت أبا يعقوب البلدي يقول : سمعت سهل بن عبد الله يقول : . لقد أيس العقلاء الحكماء من هذه الثلاثة الخلال : ملازمة التوبة ، ومتابعة السنة ، وترك أذى الخلق
حدثنا قال : قرأت على أبو حفص عمر بن أحمد بن شاهين الواعظ جعفر بن محمد بن يعقوب الثقفي : سمعت يقول : أبا محمد سهل بن عبد الله ، والنعمة التي ألهم بها الحمد أفضل من النعمة الأولى ; لأن بالشكر يستوجب المزيد . ما من نعمة إلا والحمد أفضل منها
قال : وسمعت سهلا يقول : ، فإذا أخذوا في الدعوى حرموا . أول الحجاب الدعوى
أخبرنا عبد الجبار بن شيراز - في كتابه - وحدثني عنه عثمان بن محمد العثماني قال : سمعت سهل بن عبد الله يقول : ، ومن طلب مرضاته أرضاه الله ومن أسلم قلبه تولى الله جوارحه . من نظر إلى الله قريبا منه بعد عن قلبه كل شيء سوى الله
وقال سهل : ، ولا فرغ الله أحدا إلا أسقط عنه مؤنة الرزق من أين يأخذه ، وإلا جعل له مقاما عنده وجعل هذا العبد يؤثره في كل حال وعلى كل حال ، وما من عبد آثر الله إلا سلمه من الدنيا ولم يكله إلى غيره . ما من أحد يسر الله له شيئا من العبادة إلا فرغه لتلك العبادة
سمعت يقول : حدثني أبا الحسن بن جهضم طاهر بن الحسن قال : سمعت إبراهيم البرجي يقول : سمعت سهل بن عبد الله يقول : ، إلا قال الله لملائكته : لولا أنه لا يحتمل كلامي لأجبته : لبيك . ما أظهر عبد فقره إلى الله في وقت الدعاء في شيء يحل به
سمعت أبا الحسن يقول : ثنا قال : سمعت أبو بكر الدينوري سهل بن عبد الله يقول : ، يطمع المؤمن في موضع فيمنع من ذلك ويأتيه من حيث لا يحتسب . المؤمن أكرم على الله من أن يجعل رزقه من حيث يحتسب
سمعت أبي يقول : سمعت خالي أبا بكر أحمد بن محمد بن يوسف يقول : قال سهل بن عبد الله : : الزندقة والشرك والكفر [ ص: 203 ] والنفاق والبدعة والرياء والوعيد ، وقال : الأكل خمسة : الضرورة والقوام والقوت والمعلوم والفقر ، والسادس لا خير فيه وهو التخليط ، ومن لم يهتم للرزق سلم من الدنيا وآفاتها . وقال : ابتداء اليقين المكاشفة ؛ لقوله : لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا ، ثم المعاينة ، ثم المشاهدة . وقال : اليقين نار ، والإقرار باللسان فتيله والعمل زيته . وقال : لا يصح الإخلاص إلا بترك سبعة . وسئل عن من سعادة المرء قلة المئونة وتخفيف الحال وتسهيل الصلوات ووجدان لذة الطاعة ، قال : إذا امتلأ القلب صار روحا ، وقال : من لم يمازج بره بالهوى شاهد قلبه وخلص عمله ، وقال : طوبى لعبد أسر نفسه بعلمه بأن الله يشاهده بالاستماع منه ، فوقع بصره على مقامه من إيمانه حتى استمكن مقامه من القرب منه ، وأوصل علمه وصير لسانه رطبا بذكره وأخدم جوارحه حتى أدركه المدد من ربه وسئل بم يعرف العبد عقله ؟ قال : إذا كان وقافا عند همومه حينئذ يعرف عقله ولا يعرف ولا يستكمل إلا بعد هذا . وقال : ذكر اللذات ، وفرع العقل العافية وباطن العقل كتمان السر ، وظاهره الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم . وقال : أصل العقل الصمت ، والعمل بها فرض والإخلاص فيها فرض والإيمان بالسنن فرض بأنها سنة وعلمها سنة ، والعمل بها سنة والإخلاص فيها فرض ، الإيمان بالفرائض وعلمها فرض العمل به ، وقال : والإخلاص بالإيمان : واحد آمن وليس له عمل فله الجنة ، وآخر آمن وليس له إثم وعمل صالحا ، وهذا في صفة ( المؤمنون الذين وعدهم الله الجنة على ثلاثة مقامات قد أفلح المؤمنون ) والثالث آمن ، ثم أذنب ، ثم تاب وأصلح فهو حبيب الله فله الجنة ، والرابع آمن وأحسن وأساء ، يتبين لهم عند الموازنة ، ولله تعالى فيهم مشيئة . وقال : لا يخرجنكم تنزيه الله إلى التلاشي ، ولا يخرجنكم التشبيه إلى الجسد ، الله يتجلى لهم كيف شاء . وقال : ، والجنة ثواب الأعمال ، وقال : أول الحق الله ، وآخر الحق ما يراد به وجه الله . ليس لقول لا إله إلا الله ، ثواب إلا النظر إلى الله عز وجل
سمعت أبا عمرو عثمان بن محمد العثماني يقول : سمعت أبا محمد بن صهيب يقول : سمعت سهل بن عبد الله يقول : لا يذنب المؤمن ذنبا حتى يكتسب معه [ ص: 204 ] مائة حسنة ، فقيل : يا أبا محمد ، وكيف هذا ؟ قال : نعم يا دوست ، وخوفه العقاب عليها حسنة ويرجو غفران الله لها ، ولو لم يكن هكذا لم يكن مؤمنا ، ورجاؤه لغفرانها حسنة ، وهو يرى التوبة منها ، ولو لم يرها لم يكن مؤمنا ، ورؤيته التوبة منها حسنة ، ويكره الدلالة عليها ولو لم يكره الدلالة عليها لم يكن مؤمنا ، وكراهة الدلالة عليها حسنة ، ويكره الموت عليها ولو لم يكره الموت عليها لم يكن مؤمنا ، وكراهته للموت عليها حسنة ، فهذه خمس حسنات وهي بخمسين حسنة ، الحسنة بعشر أمثالها لقوله تعالى ( إن المؤمن لا يكتسب سيئة إلا وهو يخاف العقوبة عليها ولو لم يكن كذلك لم يكن مؤمنا من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ) فهذه تصير مائة حسنة ، فما ظنكم بسيئة تعتورها مائة حسنة وتحيط بها ، والله تعالى يقول : ( إن الحسنات يذهبن السيئات ) وما ظنكم بثعلب بين مائة كلب ؟ أليس يمزقونه ؟ ثم بكى سهل ، وقال : لا تحدثوا بهذا الجهال من الناس فيتكلوا ويغتروا ؛ فإن هذه السيئة هي شيء عليه وحسناته هي أشياء له ، وما عليه فلله أن يأخذه به ويكون عادلا بعقوبته عليه ، وما له لا يظلمه الله عز وجل بل يوفيه ثوابه وإن كان بعد حين ، ومن يصبر على حر نار جهنم ساعة واحدة ؟ ولكن بادروا بالتوبة من هذه السيئة حتى تأمنوا العقوبة وتصيروا أحباب الله فإن الله يحب التوابين .
قال : وسمعت سهل بن عبد الله يقول : إن الأمراض والأسقام والأحزان والمصائب إنما هي كفارات للصغائر ، وأما ، ومثله كمثل حبر يصيب الثوب فلا يقلعه إلا الصابون الحاد والمعالجات بالخل والأشنان وغيره ، ومثل الصغائر كمثل قليل دبس يصيب الثوب فيذهبه الريق وقليل من الماء ، فقيل : يا الكبائر فلا يسقطها إلا التوبة أبا محمد ، أليس قد روي أن ؟ فضحك وقال : يا دوست إن المصائب إذا ضم إليها الصبر والاحتساب تكون كفارة وأجرا كلاهما ، فأما إذا لم يصبر عليها ولم يحتسبها تكون كفارات وحططا لا أجر فيها ولا ثواب . وبيان ذلك أن المصائب فعل غيرك ولا تثاب على فعل غيرك ، وصبرك واحتسابك فعل لك فتؤجر وتثاب . المصائب كفارات وأجر
[ ص: 205 ] حدثنا أبو الحسن علي بن أحمد بن عبد الرحمن الأصبهاني الغزال بالبصرة ، ثنا أبو بشر عيسى بن إبراهيم بن دستكوثا قال : قال سهل بن عبد الله : الحب هو الخوف ; لأن . الكفار أحبوا الله فصار حبهم أمنا ، وصار حب المؤمنين الخوف
أخبرنا عبد الجبار بن شيراز ، فيما كتب إلي ، وحدثني عنه ، عثمان بن محمد العثماني قال : سمعت سهل بن عبد الله يقول : ، وفرعها الأكل والشرب واللباس والطيب والنساء والمال والتفاخر والتكاثر ، وثمرتها المعاصي ، وعقوبة المعاصي الإصرار ، وثمرة الإصرار الغفلة ، وثمرة الغفلة الاستجراء على الله . وقال : أصل الدنيا الجهل ، وصار قلبه بيد الشيطان وملكه ، فإذا عمل بالعلم دله على الورع فإذا تورع صار القلب مع الله ، وقال : العلم دليل ، والعقل ناصح ، والنفس بينهما أسير ، والدنيا مدبرة ، والآخرة مقبلة ، والعدو في ذلك منهزم فيصير العبد عند الله خالصا ، وإنما سموا ملوكا ; لأنهم ملكوا أنفسهم فقهروها واقتدروا عليها فغلبوها وظفروا بها فأسروها فالعارفون مالكون لأنفسهم مستظهرون عليها ، والغافلون قد ملكتهم أنفسهم واستظهرت عليهم بتلوين أهوائها وبلوغ محابها ومناها في الأقوال والأحوال وسائر الأفعال ، ولا يفلت من أسر نفسه وخدعتها وسلطانها وغلبة هواها إلا من عرف نفسه ، فإذا عرف نفسه على حقيقة معرفتها عرف باريه جل جلاله ، فإذا عرف نفسه ألزمته معرفتها شريطة العبودية بحق الربوبية ، وإعطاء الوحدانية حقها . أيما عبد لم يتورع ولم يستعمل الورع في عمله انتشرت جوارحه في المعاصي
أخبرنا جعفر بن محمد بن نصير - في كتابه - وحدثني عنه ، قال : حدثني أبو الحسن ابن جهضم أبو الفضل الشيرجي ، قال : سمعت سهل بن عبد الله يقول : فلا يجد في قلوب العلماء ولا في قلوب الزهاد موضعا لتلك القسمة من نفسه ، فيمن عليهم أن يشغلهم بالتعبد عن نفسه . إن الله يطلع على أهل قرية أو بلد فيريد أن يقسم لهم من نفسه قسما
[ ص: 206 ] أخبرنا عبد الجبار بن شيراز - في كتابه - وحدثني عنه أبو الحسن بن جهضم قال : سمعت سهل بن عبد الله يقول : ، ويذهب منهم العلم بإظهار الكلام ، ويضيعون الفرائض باجتهادهم في النوافل ، ويصير نقض العهود وتضييع الأمانة وارتفاعها من بينهم علما ، ويرفع من بين المنسوبين إلى الصلاح في آخر الزمان علم الخشية وعلم الورع وعلم المراقبة ، فيكون بدل علم الخشية وساوس الدنيا ، وبدل علم الورع وساوس العدو ، وبدل علم المراقبة حديث النفس ووساوسها ، قيل : ولم ذلك يا تظهر في الناس أشياء ينزع منهم الخشوع بتركهم الورع أبا محمد ؟ قال : تظهر في القراء دعوى التوكل والحب والمقامات ، ترى أحدهم يصوم ويصلي عشرين سنة ، وهو يأكل الربا ، ولا يحفظ لسانه من الغيبة ولا عينه وجوارحه مما نهى الله عنه .
سمعت أبي رحمه الله تعالى ، قال : سمعت خالي أحمد بن محمد بن يوسف يقول : قال سهل بن عبد الله : الحياء وكف الأذى وبذل المعروف والنصيحة وفيها أحكام التعبد . أخلاق الإسلام والإيمان
وقال : ، قوله تعالى : ( الدنيا ثلاثة : عبيد ورجال وفتيان وعباد الرحمن ) و ( رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع ) ( إنهم فتية آمنوا بربهم ) ( سمعنا فتى يذكرهم ) . وقيل له : ؟ قال : قبول الوحي ( ما انشراح القلوب فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله ) وهم المدعون الذين يدعون الحول والقوة والمشيئة والإرادة ، ويدعون الاستغناء عن الله ، والقلب يجول ، فإذا قلت الله وقف ، والمحمود من الدنيا المساجد شاركنا فيها الملائكة ، والمذموم البطن والفرج شاركنا فيها أهل الذمة .
. قال العبد : لا أفعل ; لأن الأصل هو البطن والفرج . قال الرب : فكن مكانك حتى أجيئك . قال العبد : بأي شيء تجيء إلي ؟ قال : بالجوع والفقر والعري . وقال : يقول الله تعالى : يا عبدي لا تذنب ، يقول العبد : لا بد لي . يقول الله : فإذا أذنبت فتب إلي حتى أقبلك : طبع البهائم وطبع الشياطين وطبع السحرة وطبع الأبالسة . فمن طبع البهائم البطن والفرج قوله : ( خلق الله الإنسان على أربع طبائع ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ) الآية . وطبع الشياطين اللهو واللعب والزينة والتكاثر [ ص: 207 ] والتفاخر ، قوله تعالى : ( لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد ) ومن طبع السحرة المكر والخديعة ( ويمكرون ويمكر الله ) ( يخادعون الله وهو خادعهم ) ومن طبع الأبالسة الإباء والاستكبار قوله تعالى : ( إلا إبليس أبى واستكبر ) . واستعبد الله العباد بالتسبيح والتقديس والتحميد والشكر حتى يسلموا من طبع الشياطين اللهو واللعب . يقول في كتابه : ( إن الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته ويسبحونه وله يسجدون ) . وقوله : ( يسبحون الليل والنهار لا يفترون ) . ومن طبع السحرة استعبدهم الله بالاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم بالنصيحة والرحمة والصدق والإنصاف والتفضيل والاستعانة بالله والصبر على ذلك إلى الممات . ومن طبع الأبالسة استعبدهم الله بالدعاء والصراخ والتضرع والالتجاء ( قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم ) . يسلم به العباد إذ يعتصمون به . وقوله : ( واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ) ( ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم ) . حتى يسلموا من طبع الأبالسة . وقال : معرفة وإقرار وإيمان وعمل وخوف ورجاء وحب وشوق وجنة ونار . فالمعرفة خوف والإقرار رجاء والإيمان خوف والعمل رجاء والخوف رهبة ، والحب رجاء والشوق خوف بعد . وقال : هي نعمة ومصيبة ، والمصيبة ما ابتلاهم في أنفسهم ومخالفتها . وقال : الله معنا قريب إلينا ، فلا بد لنا من أن نكون معه - نؤثره ونطيعه - فيكون إيثارنا له صدقنا بعلمنا فيه . وقال : فالنعمة ما دعا الله الخلق إليه من معرفته . وقال : العاصون يعيشون في رحمة العلم ، والمطيعون يعيشون في رحمة القرب ، والملك لا يكون إلا بتول وتبر . فقال : ( ما خلق الله الخلق لأنفسهم ولا لغيرهم ، إنما خلقهم إظهارا لملكه وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ) . وقال : لا بد للخلق أن يعبدوا شيئا ، فمن لا يعبد الله فلا بد له من عبادة شيء ، ومن لا يطيع الله فلا بد له من أن يطيع شيئا ، ومن لم يتول الله فلا بد له من أن يتولى شيئا غير الله . وكذلك جميع الأشياء ، لذلك خلقهم . وقال : ، قال : نهاية ينتهي إليه ، وقال : ليس له وراء وليس وراء الله وراء ، هو وراء كل شيء جل الله وعز شأنه . [ ص: 208 ] سمعت ليس وراء الله منتهى محمد بن الحسن بن علي قال : سمعت أحمد بن محمد بن سالم يقول : كنت عند سهل بن عبد الله ، ودخل عليه رجل وقال : يا أستاذ ، أي شيء القوت ؟ قال : الذكر الدائم ، قال الرجل : لم أسألك عن هذا إنما سألتك عن ، فقال : يا رجل ، لا تقوم الأشياء إلا بالله ، فقال الرجل : لم أعن هذا سألتك عما لا بد منه ، فقال : يا فتى لا بد من الله . قوام النفس
سمعت محمد بن الحسين بن موسى يقول : سمعت أبا بكر محمد بن عبد الله بن شاذان يقول : سمعت محمد بن سالم يقول : سئل سهل بن عبد الله عن ، فقال : للنفس سر ، ما ظهر ذلك السر على أحد من خلقه إلا على سر النفس فرعون ، فقال : أنا ربكم الأعلى ، ولها سبعة حجب سماوية ، وسبعة حجب أرضية فكلما يدفن العبد نفسه أرضا سما قلبه سماء ، فإذا دفنت النفس تحت الثرى وصل القلب إلى العرش .
قال : وسمعت سهلا يقول : فاحذروا عليه من الخطرات المذمومة فإن أثر القليل عليه كثير . القلب رقيق يؤثر فيه الشيء اليسير
قال : وسمعت سهلا يقول : . كل شيء دون الله فهو وسوسة
قال : وسئل سهل عن قوله : ، قال : من عرف نفسه لربه عرف ربه لنفسه . من عرف نفسه فقد عرف ربه
سمعت أبي يقول : سمعت أبا بكر الجوربي يقول : سمعت سهل بن عبد الله يقول : ، وطهارة الذكر من النسيان ، وطهارة الطاعة من المعصية ، وقال : جناية الخاص أعظم عند الله من جناية العام ، وجناية الخاص السكون إلى غير الله تعالى والأنس بسواه ، وقال : تستأنس الجوارح أولا بالعقل ، ثم يستأنس العقل بالعلم ، ثم يستأنس العبد بالله ، وقال : من اهتم للخير لا يكون للرب عنده قدر ، وقال : الطهارة على ثلاثة أوجه : طهارة العلم من الجهل . كل عقوبة طهارة إلا عقوبة القلب فإنها قسوة
قال : وسمعت سهلا يقول : يا معشر المسلمين قد أعطيتم الإقرار من اللسان ، واليقين من القلب ، وإن . وإن له يوما يبعثكم فيه ويسألكم عن مثاقيل الذر من أعمالكم ، من خير يجزيكم به أو شر يعاقبكم عليه إن شاء أو يعفو عنه ، قال تعالى : ( الله ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل ) . فإن الخردلة إذا [ ص: 209 ] كسرت يكون البعض منها شيئا ، قال : ( إنها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السماوات أو في الأرض يأت بها الله إن الله لطيف خبير ) . قيل : أبا محمد ؟ قال : في خمسة أشياء لا بد لكم منها : أكل الحلال ، ولبس الحلال الذين تؤدون بهما الفرائض ، وحفظ الجوارح كلها عما نهاكم الله عنه ، وأداء حقوق الله عز وجل كما أمركم بها ، وكف الأذى لكي لا تذهب أعمالكم في القيامة وتسلم لكم أعمالكم ، والخامسة الاستعانة بالله وبما عنده واليأس عما في أيدي الناس ، وذكره آناء الليل والنهار . كي يتم لكم ذلك فاجتهدوا في ذلك إلى الممات . قيل : كيف تصبح للعبد هذه الخصال ؟ قال : لا بد له من عشرة أشياء ، يدع خمسا ويتمسك بخمس : يدع وساوس العدو والقبول منه ، ويتبع العقل فيما ينصحه ويكون فيه رضى الله ، ويدع اهتمامه للدنيا واغتباطه بها لأهلها ، ويدع اتباع الهوى ويؤثر الله على كل حال من أحواله ، ويدع المعصية والاستعانة بها ويشتغل بالطاعة ، ويرغب فيها ، ويجتنب الجهل والقيام عليه ، ولا يدنو من شيء من أمر الدنيا حتى يحكم عليه فيه ، ويطلب بدل الجهل العلم والعمل به فهذه عشرة أشياء . قيل له : كيف له يفهم هذا ويعلم أيش عليه ويعمل به ؟ قال : لا بد له من خمسة أشياء : لا يتعب نفسه ، ولا يفني عمره في جمع مال يصير آخره إلى الميراث ، ولا يتعب نفسه ولا يشتغل ببناء يصير آخره إلى الخراب ، ولا يرغب في أكل ما يصير آخره إلى التفل والكنيف ، ولا في لباس يصير آخره إلى المزابل ، ولا يتخذ أحبابا يصير آخرهم إلى التراب ، ويخلص وده وحبه لله الواحد القهار الذي لم يزل ولا يزال حيا قيوما فعالا لما يشاء . قيل : وكيف يقوى على هذا وبم يقوى عليه ؟ قال : بإيمانه . قيل : كيف بإيمانه ؟ قال : بعلمه أنه عبد الله وأن الله مولاه وشاهده ، عالم به وبضمائره ، قائم عليه . قال الله عز وجل : ( فكيف الحيلة يا أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت ) . ويعلم أن مضرته ومنفعته بيده ، قادر على فرحه وسروره ، قادر على غمه وأنه به رءوف رحيم . فهذه خمسة أشياء لا بد له منها ، وخمسة أخر لا بد له منها : [ ص: 210 ] لزوم قلبه على مشاهدة الله إياه ، وقيامه عليه مطلعا على ضميره ، قال الله عز وجل : ( واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه ) . فيراه بقلبه قريبا منه فيستحي منه ويخافه ويرجوه ويحبه ويؤثره ، ويلتجئ إليه ويظهر فقره وفاقته له ، وينقطع إليه في جميع أحواله . فهذه ما لا بد للخلق أجمعين منها أن يعملوا بها ، بعث الله تعالى أنبياءه عليهم الصلاة والسلام بهذا ولهذا وفي هذا ، وأنزل الكتاب لهذا ، وجاءت الآثار عن نبينا صلى الله عليه وسلم على هذا ، وعن أصحابه والتابعين وعملوا به حتى فارقوا الدنيا ، وكانوا على هذا ، لا ينكر إلا جاهل .
سمعت محمد بن الحسن بن موسى يقول : سمعت جدي يقول : بلغني أن يعقوب بن الليث ، الأهواز فجمع الأطباء فلم يغنوا عنه شيئا فذكر له سهل بن عبد الله ، فأمر بإحضاره في العماريات فأحضر ، فلما دخل عليه قعد على رأسه وقال : اللهم أريته ذل المعصية فأره عز الطاعة ففرج عنه من ساعته ، فأخرج إليه مالا وثيابا ، فردها ولم يقبل منه شيئا ، فلما رجع إلى اعتقل بطنه في بعض كور تستر قال له بعض أصحابه : لو قبلت ذلك المال وفرقته على الفقراء ، فقال له : انظر إلى الأرض ، فنظر فإذا الأرض كلها بين يديه ذهبا ، فقال : من كان حاله مع الله هذا لا يستكثر مال يعقوب بن الليث .
سمعت أبا الفضل أحمد بن عمران الهروي يحكي عن بعض أصحاب أبي العباس الخواص قال : سهل بن عبد الله ، فسألت بعض أصحابه عن قوته فلم يخبرني أحد منهم عنه بشيء ، فقصدت مجلسه ليلة من الليالي ، فإذا هو قائم يصلي فأطلت القيام وهو قائم لا يركع ، فإذا أنا بشاة جاءت فرجمت باب المسجد وأنا أراها ، فلما سمع حركة الباب ركع وسجد وسلم وخرج وفتح الباب ، فدنت الشاة منه ووقفت بين يديه فمسح ضرعها ، وكان قد أخذ قدحا من طاق المسجد فحلبها وجلس فشرب ، ثم مسح بضرعها وكلمها بالفارسية فذهبت إلى الصحراء ورجع هو إلى محرابه . وقال كنت أحب الوقوف على شيء من أسرار أبو [ ص: 211 ] الحسن بن سالم : عرفت سهلا سنين من عمره ، كان يقوم الليل بفرد رحل يناجي ربه حتى يصبح .
سمعت محمد بن الحسين يقول : سمعت أبا نصر عبد الله بن علي يقول : سمعت أحمد بن عطاء يقول : سمعت محمد بن الحسن قال : قال سهل : . وقال أعمال البر يعملها البر والفاجر ، ولا يجتنب المعاصي إلا صديق سهل : . من أحب أن يطلع الخلق على ما بينه وبين الله فهو غافل
سمعت محمد بن الحسين يقول : سمعت أبا الحسن الفارسي يقول : سمعت عباس بن عصام يقول : سمعت سهل بن عبد الله يقول : . فبلوى الرحمة تبعث صاحبها على إظهار فقره إلى الله تعالى وترك التدبير . وبلوى العقوبة تبعث صاحبها على اختياره وتدبيره . أسند البلوى من الله على وجهين : بلوى رحمة ، وبلوى عقوبة سهل بن عبد الله .
وأخبرني يوسف بن عمر بن مسرور أبو الفتح القواس ، ثنا عبيد الله أبو القاسم الصنعاني ، ثنا ابن واصل ، ثنا قال : أخبرني خالي سهل بن عبد الله التستري محمد بن سوار ، عن جعفر بن سليمان ، عن ثابت ، عن أنس ، قال : الأنصار يسقين الماء ويداوين الجرحى كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزو ومعه عدة من نساء .
حدثنا محمد بن المظفر - إملاء - ثنا أبو علي محمد بن الضحاك بن عمرو ، ثنا ، ثنا سهل بن عبد الله الزاهد سليمان بن عبد الرحمن ، ثنا محمد بن عبد الرحمن القشيري ، ثنا ، عن عبد الملك بن أبي سليمان عطية ، عن ، أبي سعيد الخدري علي خمسا ، أما إحداها فيواري عورتي ، والثانية يقضي ديني ، والثالثة أنه متكئي في طول الموقف ، والرابعة فإنه عوني على حوضي ، والخامسة فإني لا أخاف عليه أن يرجع كافرا [ ص: 212 ] بعد إيمان ولا زانيا بعد إحصان " عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أعطيت في كذا حدثناه ابن المظفر ، وقال : سهل الزاهد هو التستري ، فقلت له : ببلدنا أهو ذاك ؟ فأبى إلا سهل بن عبد الله أبو طاهر التستري .