المسألة الثالثة :
nindex.php?page=treesubj&link=28974_27209قوله ( nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=14حب الشهوات ) فيه أبحاث ثلاثة :
البحث الأول : أن الشهوات هاهنا هي الأشياء المشتهيات سميت بذلك على الاستعارة للتعلق والاتصال ، كما يقال للمقدور قدرة ، وللمرجو رجاء وللمعلوم علم ، وهذه استعارة مشهورة في اللغة ، يقال : هذه شهوة فلان ، أي مشتهاه ، قال صاحب الكشاف : وفي تسميتها بهذا الاسم فائدتان :
إحداهما : أنه جعل الأعيان التي ذكرها شهوات مبالغة في كونها مشتهاة محروصا على الاستمتاع بها .
والثانية : أن الشهوة صفة مسترذلة عند الحكماء مذمومة ، من اتبعها شاهد على نفسه بالبهيمية ، فكان المقصود من ذكر هذا اللفظ التنفير عنها .
[ ص: 170 ] البحث الثاني : قال المتكلمون : دلت هذه الآية على أن الحب غير الشهوة ; لأنه أضاف الحب إلى الشهوة والمضاف غير المضاف إليه ، والشهوة من فعل الله تعالى ،
nindex.php?page=treesubj&link=28785والمحبة من أفعال العباد وهي عبارة عن أن يجعل الإنسان كل غرضه وعيشه في طلب اللذات والطيبات .
البحث الثالث : قال الحكماء : الإنسان قد يحب شيئا ولكنه يحب أن لا يحبه ، مثل المسلم فإنه قد يميل طبعه إلى بعض المحرمات لكنه يحب أن لا يحب ، وأما من أحب شيئا وأحب أن يحبه فذاك هو كمال المحبة ، فإن كان ذلك في جانب الخير فهو كمال السعادة ، كما في قوله تعالى حكاية عن
سليمان عليه السلام (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=32إني أحببت حب الخير ) [ ص : 32 ] ومعناه أحب الخير وأحب أن أكون محبا للخير ، وإن كان ذلك في جانب الشر ، فهو كما قال في هذه الآية فإن قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=14زين للناس حب الشهوات ) يدل على أمور ثلاثة مرتبة :
أولها : أنه يشتهي أنواع المشتهيات .
وثانيها : أنه يحب شهوته لها .
وثالثها : أنه يعتقد أن تلك المحبة حسنة وفضيلة ، ولما اجتمعت في هذه القضية الدرجات الثلاثة بلغت الغاية القصوى في الشدة والقوة ، ولا يكاد ينحل إلا بتوفيق عظيم من الله تعالى ، ثم إنه تعالى أضاف ذلك إلى الناس ، وهو لفظ عام دخله حرف التعريف فيفيد الاستغراق ، فظاهر اللفظ يقتضي أن هذا المعنى حاصل لجميع الناس ، والعقل أيضا يدل عليه ، وهو أن
nindex.php?page=treesubj&link=18300_29498كل ما كان لذيذا ونافعا فهو محبوب ومطلوب لذاته ، واللذيذ النافع قسمان : جسماني وروحاني ، والقسم الجسماني حاصل لكل أحد في أول الأمر ، وأما القسم الروحاني فلا يكون إلا في الإنسان الواحد على سبيل الندرة ، ثم ذلك الإنسان إنما يحصل له تلك اللذة الروحانية بعد استئناس النفس باللذات الجسمانية ، فيكون انجذاب النفس إلى اللذات الجسمانية كالملكة المستقرة المتأكدة ، وانجذابها إلى اللذات الروحانية كالحالة الطارئة التي تزول بأدنى سبب ، فلا جرم كان الغالب على الخلق إنما هو الميل الشديد إلى اللذات الجسمانية ، وأما الميل إلى طلب اللذات الروحانية فذاك لا يحصل إلا للشخص النادر ، ثم حصوله لذلك النادر لا يتفق إلا في أوقات نادرة ، فلهذا السبب عم الله هذا الحكم فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=14زين للناس حب الشهوات ) .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ :
nindex.php?page=treesubj&link=28974_27209قَوْلُهُ ( nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=14حُبُّ الشَّهَوَاتِ ) فِيهِ أَبْحَاثٌ ثَلَاثَةٌ :
الْبَحْثُ الْأَوَّلُ : أَنَّ الشَّهَوَاتِ هَاهُنَا هِيَ الْأَشْيَاءُ الْمُشْتَهَيَاتُ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ عَلَى الِاسْتِعَارَةِ لِلتَّعَلُّقِ وَالِاتِّصَالِ ، كَمَا يُقَالُ لِلْمَقْدُورِ قُدْرَةٌ ، وَلِلْمَرْجُوِّ رَجَاءٌ وَلِلْمَعْلُومِ عِلْمٌ ، وَهَذِهِ اسْتِعَارَةٌ مَشْهُورَةٌ فِي اللُّغَةِ ، يُقَالُ : هَذِهِ شَهْوَةُ فُلَانٍ ، أَيْ مُشْتَهَاهُ ، قَالَ صَاحِبُ الْكَشَّافِ : وَفِي تَسْمِيَتِهَا بِهَذَا الِاسْمِ فَائِدَتَانِ :
إِحْدَاهُمَا : أَنَّهُ جَعَلَ الْأَعْيَانَ الَّتِي ذَكَرَهَا شَهَوَاتٍ مُبَالَغَةً فِي كَوْنِهَا مُشْتَهَاةً مَحْرُوصًا عَلَى الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا .
وَالثَّانِيَةُ : أَنَّ الشَّهْوَةَ صِفَةٌ مُسْتَرْذَلَةٌ عِنْدَ الْحُكَمَاءِ مَذْمُومَةٌ ، مَنِ اتَّبَعَهَا شَاهِدٌ عَلَى نَفْسِهِ بِالْبَهِيمِيَّةِ ، فَكَانَ الْمَقْصُودُ مِنْ ذِكْرِ هَذَا اللَّفْظِ التَّنْفِيرَ عَنْهَا .
[ ص: 170 ] الْبَحْثُ الثَّانِي : قَالَ الْمُتَكَلِّمُونَ : دَلَّتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى أَنَّ الْحُبَّ غَيْرُ الشَّهْوَةِ ; لِأَنَّهُ أَضَافَ الْحُبَّ إِلَى الشَّهْوَةِ وَالْمُضَافُ غَيْرُ الْمُضَافِ إِلَيْهِ ، وَالشَّهْوَةُ مِنْ فِعْلِ اللَّهِ تَعَالَى ،
nindex.php?page=treesubj&link=28785وَالْمَحَبَّةُ مِنْ أَفْعَالِ الْعِبَادِ وَهِيَ عِبَارَةٌ عَنْ أَنْ يَجْعَلَ الْإِنْسَانُ كُلَّ غَرَضِهِ وَعَيْشِهِ فِي طَلَبِ اللَّذَّاتِ وَالطَّيِّبَاتِ .
الْبَحْثُ الثَّالِثُ : قَالَ الْحُكَمَاءُ : الْإِنْسَانُ قَدْ يُحِبُّ شَيْئًا وَلَكِنَّهُ يُحِبُّ أَنْ لَا يُحِبَّهُ ، مِثْلَ الْمُسْلِمِ فَإِنَّهُ قَدْ يَمِيلُ طَبْعُهُ إِلَى بَعْضِ الْمُحَرَّمَاتِ لَكِنَّهُ يُحِبُّ أَنْ لَا يُحِبَّ ، وَأَمَّا مَنْ أَحَبَّ شَيْئًا وَأَحَبَّ أَنْ يُحِبَّهُ فَذَاكَ هُوَ كَمَالُ الْمَحَبَّةِ ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي جَانِبِ الْخَيْرِ فَهُوَ كَمَالُ السَّعَادَةِ ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ
سُلَيْمَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=32إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ ) [ ص : 32 ] وَمَعْنَاهُ أُحِبُّ الْخَيْرَ وَأُحِبُّ أَنْ أَكُونَ مُحِبًّا لِلْخَيْرِ ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي جَانِبِ الشَّرِّ ، فَهُوَ كَمَا قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ فَإِنَّ قَوْلَهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=14زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ ) يَدُلُّ عَلَى أُمُورٍ ثَلَاثَةٍ مُرَتَّبَةٍ :
أَوَّلُهَا : أَنَّهُ يَشْتَهِي أَنْوَاعَ الْمُشْتَهَيَاتِ .
وَثَانِيهَا : أَنَّهُ يُحِبُّ شَهْوَتَهُ لَهَا .
وَثَالِثُهَا : أَنَّهُ يَعْتَقِدُ أَنَّ تِلْكَ الْمَحَبَّةَ حَسَنَةٌ وَفَضِيلَةٌ ، وَلَمَّا اجْتَمَعَتْ فِي هَذِهِ الْقَضِيَّةِ الدَّرَجَاتُ الثَّلَاثَةُ بَلَغَتِ الْغَايَةَ الْقُصْوَى فِي الشِّدَّةِ وَالْقُوَّةِ ، وَلَا يَكَادُ يَنْحَلُّ إِلَّا بِتَوْفِيقٍ عَظِيمٍ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ، ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى أَضَافَ ذَلِكَ إِلَى النَّاسِ ، وَهُوَ لَفْظٌ عَامٌّ دَخَلَهُ حَرْفُ التَّعْرِيفِ فَيُفِيدُ الِاسْتِغْرَاقَ ، فَظَاهِرُ اللَّفْظِ يَقْتَضِي أَنَّ هَذَا الْمَعْنَى حَاصِلٌ لِجَمِيعِ النَّاسِ ، وَالْعَقْلُ أَيْضًا يَدُلُّ عَلَيْهِ ، وَهُوَ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=18300_29498كُلَّ مَا كَانَ لَذِيذًا وَنَافِعًا فَهُوَ مَحْبُوبٌ وَمَطْلُوبٌ لِذَاتِهِ ، وَاللَّذِيذُ النَّافِعُ قِسْمَانِ : جُسْمَانِيٌّ وَرُوحَانِيٌّ ، وَالْقِسْمُ الْجُسْمَانِيُّ حَاصِلٌ لِكُلِّ أَحَدٍ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ ، وَأَمَّا الْقِسْمُ الرُّوحَانِيُّ فَلَا يَكُونُ إِلَّا فِي الْإِنْسَانِ الْوَاحِدِ عَلَى سَبِيلِ النُّدْرَةِ ، ثُمَّ ذَلِكَ الْإِنْسَانُ إِنَّمَا يَحْصُلُ لَهُ تِلْكَ اللَّذَّةُ الرُّوحَانِيَّةُ بَعْدَ اسْتِئْنَاسِ النَّفْسِ بِاللَّذَّاتِ الْجُسْمَانِيَّةِ ، فَيَكُونُ انْجِذَابُ النَّفْسِ إِلَى اللَّذَّاتِ الْجُسْمَانِيَّةِ كَالْمَلَكَةِ الْمُسْتَقِرَّةِ الْمُتَأَكَّدَةِ ، وَانْجِذَابُهَا إِلَى اللَّذَّاتِ الرُّوحَانِيَّةِ كَالْحَالَةِ الطَّارِئَةِ الَّتِي تَزُولُ بِأَدْنَى سَبَبٍ ، فَلَا جَرَمَ كَانَ الْغَالِبُ عَلَى الْخَلْقِ إِنَّمَا هُوَ الْمَيْلُ الشَّدِيدُ إِلَى اللَّذَّاتِ الْجُسْمَانِيَّةِ ، وَأَمَّا الْمَيْلُ إِلَى طَلَبِ اللَّذَّاتِ الرُّوحَانِيَّةِ فَذَاكَ لَا يَحْصُلُ إِلَّا لِلشَّخْصِ النَّادِرِ ، ثُمَّ حُصُولُهُ لِذَلِكَ النَّادِرِ لَا يَتَّفِقُ إِلَّا فِي أَوْقَاتٍ نَادِرَةٍ ، فَلِهَذَا السَّبَبِ عَمَّ اللَّهُ هَذَا الْحُكْمَ فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=14زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ ) .