( الذين قالوا لإخوانهم وقعدوا لو أطاعونا ما قتلوا قل فادرءوا عن أنفسكم الموت إن كنتم صادقين )
قوله تعالى : ( الذين قالوا لإخوانهم وقعدوا لو أطاعونا ما قتلوا قل فادرءوا عن أنفسكم الموت إن كنتم صادقين ) .
اعلم أن الذين حكى الله عنهم أنهم قالوا : ( لو نعلم قتالا لاتبعناكم ) وصفهم الله تعالى بأنهم كما قعدوا واحتجوا لقعودهم ، فكذلك ثبطوا غيرهم واحتجوا لذلك ، فحكى الله تعالى عنهم أنهم قالوا لإخوانهم إن الخارجين لو أطاعونا ما قتلوا ، فخوفوا من مراده موافقة الرسول صلى الله عليه وسلم في محاربة الكفار بالقتل لما عرفوا ما جرى يوم أحد من الكفار على المسلمين من القتل ; لأن المعلوم من الطباع محبة الحياة ، فكان وقوع هذه الشبهة في القلوب يجري مجرى ما يورده الشيطان من الوسواس ، وفي الآية مسائل :
المسألة الأولى : في محل " الذين " وجوه :
أحدها : النصب على البدل من " الذين نافقوا " .
وثانيها : الرفع على البدل من الضمير في " يكتمون " .
وثالثها : الرفع على خبر الابتداء بتقدير : هم الذين .
ورابعها : أن يكون نصبا على الذم .
المسألة الثانية : قال المفسرون : المراد " بالذين قالوا " عبد الله بن أبي وأصحابه ، وقال الأصم : هذا لا يجوز لأن عبد الله بن أبي خرج مع النبي صلى الله عليه وسلم في الجهاد يوم أحد ، وهذا القول فهو واقع فيمن قد تخلف لأنه قال : ( الذين قالوا لإخوانهم وقعدوا لو أطاعونا ) أي في القعود " ما قتلوا " ، فهو كلام متأخر عن الجهاد قاله لمن خرج إلى الجهاد ولمن هو قوي النية في ذلك ليجعله شبهة فيما بعده صارفا لهم عن الجهاد .
المسألة الثالثة : قالوا لإخوانهم : أي قالوا لأجل إخوانهم ، وقد سبق بيان المراد من هذه الأخوة ، الأخوة في النسب ، أو الأخوة بسبب المشاركة في الدار ، أو في عداوة الرسول صلى الله عليه وسلم أو في عبادة الأوثان ; والله أعلم .
المسألة الرابعة : قال الواحدي : الواو في قوله : ( وقعدوا ) للحال ، ومعنى هذا القعود ، يعني من قتل القعود عن الجهاد بأحد لو قعدوا كما قعدنا وفعلوا كما فعلنا لسلموا ولم يقتلوا . ثم أجاب الله عن ذلك بقوله : ( قل فادرءوا عن أنفسكم الموت إن كنتم صادقين ) .
فإن قيل : ما وجه الاستدلال بذلك مع أن الفرق ظاهر ، فإن التحرز عن القتل ممكن ، أما التحرز عن الموت فهو غير ممكن البتة ؟
والجواب : هذا الدليل الذي ذكره الله تعالى لا يتمشى إلا إذا اعترفنا بالقضاء والقدر ، وذلك لأنا إذا [ ص: 72 ] قلنا ، اعترفنا بأن الكافر لا يقتل المسلم إلا بقضاء الله ، وحينئذ لا يبقى بين القتل وبين الموت فرق ، فيصح الاستدلال . أما إذا قلنا بأن فعل العبد ليس بتقدير الله وقضائه ، كان الفرق بين الموت والقتل ظاهرا من الوجه الذي ذكرتم ، فتفضي إلى فساد الدليل الذي ذكره الله تعالى ، ومعلوم أن المفضي إلى ذلك يكون باطلا ، فثبت أن هذه الآية دالة على أن الكل بقضاء الله . وقوله : ( إن كنتم صادقين ) يعني : إن كنتم صادقين في كونكم مشتغلين بالحذر عن المكاره ، والوصول إلى المطالب . لا يدخل الشيء في الوجود إلا بقضاء الله وقدره