الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثالثة : اعلم أن بعثة الرسول إحسان من الله إلى الخلق ثم إنه لما كان الانتفاع بالرسول أكثر كان وجه الإنعام في بعثة الرسل أكثر ، وبعثة محمد صلى الله عليه وسلم كانت مشتملة على الأمرين :

                                                                                                                                                                                                                                            أحدهما : المنافع الحاصلة من أصل البعثة .

                                                                                                                                                                                                                                            والثاني : المنافع الحاصلة بسبب ما فيه من الخصال التي ما كانت موجودة في غيره .

                                                                                                                                                                                                                                            أما المنفعة بسبب أصل البعثة فهي التي ذكرها الله تعالى في قوله : ( رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل ) [النساء : 165] قال أبو عبد الله الحليمي : وجه الانتفاع ببعثة الرسل ليس إلا في طريق الدين وهو من وجوه :

                                                                                                                                                                                                                                            الأول : أن الخلق جبلوا على النقصان وقلة الفهم وعدم الدراية ، فهو صلوات الله عليه أورد عليهم وجوه الدلائل ونقحها ، وكلما خطر ببالهم شك أو شبهة أزالها وأجاب عنها .

                                                                                                                                                                                                                                            والثاني : أن الخلق وإن كانوا يعلمون أنه لا بد لهم من خدمة مولاهم ، ولكنهم ما كانوا عارفين بكيفية تلك الخدمة ، فهو شرح تلك الكيفية لهم حتى يقدموا على الخدمة آمنين من الغلط ومن الإقدام على ما لا ينبغي .

                                                                                                                                                                                                                                            والثالث : أن الخلق جبلوا على الكسل والغفلة والتواني والملالة فهو يورد عليهم أنواع الترغيبات والترهيبات حتى إنه كلما عرض لهم كسل أو فتور نشطهم للطاعة ورغبهم فيها .

                                                                                                                                                                                                                                            الرابع : أن أنوار عقول الخلق تجري مجرى أنوار البصر ، ومعلوم أن الانتفاع بنور البصر لا يكمل إلا عند سطوع نور الشمس ، ونوره عقلي إلهي [ ص: 65 ] يجري مجرى طلوع الشمس ، فيقوي العقول بنور عقله ، ويظهر لهم من لوائح الغيب ما كان مستترا عنهم قبل ظهوره ، فهذا إشارة حقيقية إلى فوائد أصل البعثة .

                                                                                                                                                                                                                                            وأما المنافع الحاصلة بسبب ما كان في محمد صلى الله عليه وسلم من الصفات ، فأمور ذكرها الله تعالى في هذه الآية أولها قوله : ( من أنفسهم ) .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية