المسألة الثانية : هذه الآية تدل على أنه تعالى سميع للأقوال ، ونظيره قوله تعالى : ( قد سمع الله قول التي تجادلك ) [ المجادلة : 1 ] .
المسألة الثالثة : ظاهر الآية يدل على أن قائل هذا القول كانوا جماعة ، لأنه تعالى قال : " الذين قالوا " وظاهر هذا القول يفيد الجمع . وأما ما روي أن قائل هذا القول هو فنحاص اليهودي ، فهذا يدل على أن غيره لم يقل ذلك ، فلما شهد الكتاب أن القائلين كانوا جماعة وجب القطع بذلك .
ثم قال تعالى : ( سنكتب ما قالوا ) وفيه مسائل :
المسألة الأولى : قرأ حمزة " سيكتب " بالياء وضمها على ما لم يسم فاعله " وقتلهم الأنبياء " برفع اللام على معنى سيكتب قتلهم ، والباقون بالنون وفتح اللام إضافة إليه تعالى . قال صاحب الكشاف : وقرأ الحسن " سيكتب " بالياء وتسمية الفاعل . والأعرج
المسألة الثانية : هذا وعيد على ذلك القول وهو يحتمل وجوها :
أحدها : أن يكون المراد من كتبه عليهم إثبات ذلك عليهم وأن لا يلغى ولا يطرح ، وذلك لأن الناس إذا أرادوا إثبات الشيء على وجه لا يزول ولا ينسى ولا يتغير كتبوه ، والله تعالى جعل الكتبة مجازا عن إثبات حكم ذلك عليهم .
الثاني : سنكتب ما قالوا في الكتب التي تكتب فيها أعمالهم ليقرأوا ذلك في جرائد أعمالهم يوم القيامة .
والثالث : عندي فيه احتمال آخر ، وهو أن المراد : سنكتب عنهم هذا الجهل في القرآن حتى يعلم الخلق إلى يوم القيامة شدة تعنت هؤلاء وجهلهم وجهدهم في الطعن في نبوة محمد صلى الله عليه وسلم بكل ما قدروا عليه .
ثم قال : ( وقتلهم الأنبياء بغير حق ) أي ونكتب قتلهم الأنبياء بغير حق ، وفيه مسألتان :
المسألة الأولى : الفائدة في ضم أنهم إلى أنهم قتلوا الأنبياء ، هي بيان أن جهل هؤلاء ليس مخصوصا بهذا الوقت ، بل هم منذ كانوا ، مصرون على الجهالات والحماقات . وصفوا الله تعالى بالفقر
المسألة الثانية : في إضافة قتل الأنبياء إلى هؤلاء وجهان :
أحدهما : سنكتب ما قال هؤلاء ونكتب ما فعله أسلافهم فنجازي الفريقين بما هو أهله ، كقوله تعالى : ( وإذ قتلتم نفسا ) [ البقرة : 72 ] أي قتلها أسلافكم ( وإذ نجيناكم من آل فرعون ) [ البقرة : 49 ] . ( وإذ فرقنا بكم البحر ) [ البقرة : 50 ] والفاعل لهذه الأشياء هو أسلافهم ، والمعنى أنه سيحفظ على الفريقين معا أقوالهم وأفعالهم .
والوجه الثاني : سنكتب على هؤلاء ما قالوا بأنفسهم ، ونكتب عليهم رضاهم بقتل آبائهم الأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين . وعن أن رجلا ذكر عنده الشعبي عثمان رضي الله عنه وحسن قتله ، فقال : صرت شريكا في دمه ، ثم قرأ الشعبي ( الشعبي قل قد جاءكم رسل من قبلي بالبينات وبالذي قلتم فلم قتلتموهم ) [ آل عمران : 183 ] فنسب لهؤلاء قتلهم وكان بينهما قريب من سبعمائة سنة .