( ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد فإن كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن من بعد وصية يوصين بها أو دين ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد فإن كان لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم من بعد وصية توصون بها أو دين ) .
[ ص: 178 ] قوله تعالى : ( ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد فإن كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن من بعد وصية يوصين بها أو دين ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد فإن كان لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم من بعد وصية توصون بها أو دين ) .
اعلم أنه تعالى أورد في هذه الآيات على أحسن الترتيبات ، وذلك لأن الوارث إما أن يكون متصلا بالميت بغير واسطة أو بواسطة ، فإن اتصل به بغير واسطة فسبب الاتصال إما أن يكون هو النسب أو الزوجية ، فحصل هاهنا أقسام ثلاثة ، أشرفها وأعلاها الاتصال الحاصل ابتداء من جهة النسب ، وذلك هو قرابة الولادة ، ويدخل فيها الأولاد والوالدان ، فالله تعالى قدم حكم هذا القسم . أقسام الورثة
وثانيها : الاتصال الحاصل ابتداء من جهة الزوجية ، وهذا القسم متأخر في الشرف عن القسم الأول ؛ لأن الأول ذاتي وهذا الثاني عرضي ، والذاتي أشرف من العرضي ، وهذا القسم هو المراد من هذه الآية التي نحن الآن في تفسيرها .
وثالثها : الاتصال الحاصل بواسطة الغير وهو المسمى بالكلالة ، وهذا القسم متأخر عن القسمين الأولين لوجوه :
أحدها : أن الأولاد والوالدين والأزواج والزوجات لا يعرض لهم السقوط بالكلية ، وأما الكلالة فقد يعرض لهم السقوط بالكلية .
وثانيها : أن القسمين الأولين ينسب كل واحد منهما إلى الميت بغير واسطة ، والكلالة تنسب إلى الميت بواسطة ، والثابت ابتداء أشرف من الثابت بواسطة .
وثالثها : أن مخالطة الإنسان بالوالدين والأولاد والزوج والزوجة أكثر وأتم من مخالطته بالكلالة . وكثرة المخالطة مظنة الألفة والشفقة ، وذلك يوجب شدة الاهتمام بأحوالهم ، فلهذه الأسباب الثلاثة وأشباهها أخر الله تعالى ذكر مواريث الكلالة عن ذكر القسمين الأولين فما أحسن هذا الترتيب وما أشد انطباقه على قوانين المعقولات ، وفي الآية مسائل :
المسألة الأولى : أنه تعالى لما جعل في الموجب النسبي كذلك جعل في الموجب السببي حظ الرجل مثل حظ الأنثيين ، واعلم أن الواحد والجماعة سواء في الربع والثمن ، والولد من ذلك الزوج ومن غيره سواء في الرد من النصف إلى الربع أو من الربع إلى الثمن ، واعلم أنه لا فرق في الولد بين الذكر والأنثى ولا فرق بين الابن وبين ابن الابن ولا بين البنت وبين بنت الابن . والله أعلم . حظ الرجل مثل حظ الأنثيين
المسألة الثانية : قال رحمه الله : الشافعي ، وقال يجوز للزوج غسل زوجته رضي الله عنه : لا يجوز . حجة أبو حنيفة أنها بعد الموت زوجته فيحل له غسلها ، بيان أنها زوجته قوله تعالى : ( الشافعي ولكم نصف ما ترك أزواجكم ) سماها زوجة حال ما أثبت للزوج نصف مالها عند موتها ، إذا ثبت للزوج نصف مالها عند موتها ، فوجب أن تكون زوجة له بعد موتها ، إذا ثبت هذا وجب أن يحل له غسلها ؛ لأنه قبل الزوجية ما كان يحل له غسلها ، وعند حصول الزوجية حل له غسلها ، والدوران دليل العلية ظاهرا . وحجة أنها ليست زوجته ولا يحل له غسلها : بيان عدم الزوجية أنها لو كانت زوجته لحل له بعد الموت وطؤها لقوله : ( أبي حنيفة إلا على أزواجهم ) [ المؤمنون : 6 ] وإذا ثبت هذا وجب أن لا يثبت حل الغسل ؛ لأنه لو ثبت لثبت إما مع حل النظر وهو باطل لقوله عليه السلام : " غض بصرك إلا عن زوجتك " أو بدون حل النظر وهو باطل بالإجماع .
والجواب : لما تعارضت الآيتان في ثبوت الزوجية وعدمها وجب الترجيح فنقول : لو لم تكن زوجة لكان قوله : ( نصف ما ترك أزواجكم ) مجازا ، ولو كانت زوجة مع أنه لا يحل وطؤها لزم التخصيص ، وقد ذكرنا في أصول الفقه أن التخصيص أولى ، فكان الترجيح من جانبنا ، وكيف وقد علمنا أن في صور كثيرة حصلت [ ص: 179 ] الزوجية ولم يحصل حل الوطء مثل زمان الحيض والنفاس ومثل نهار رمضان ، وعند اشتغالها بأداء الصلاة المفروضة والحج المفروض ، وعند كونها في العدة عن الوطء بالشبهة ، وأيضا فقد بينا في الخلافيات أن حل الوطء ثبت على خلاف الدليل لما فيه من المصالح الكثيرة ، فبعد الموت لم يبق شيء من تلك المصالح ، فعاد إلى أصل الحرمة ، أما حل الغسل فإن ثبوته بعد الموت منشأ للمصالح الكثيرة فوجب القول ببقائه . والله أعلم .
المسألة الثالثة : في الآية ما يدل على لأنه تعالى حيث ذكر الرجال في هذه الآية ذكرهم على سبيل المخاطبة ، وحيث ذكر النساء ذكرهن على سبيل المغايبة ، وأيضا خاطب الله الرجال في هذه الآية سبع مرات ، وذكر النساء فيها على سبيل الغيبة أقل من ذلك ، وهذا يدل على تفضيل الرجال على النساء ، وما أحسن ما راعى هذه الدقيقة ؛ لأنه تعالى فضل الرجال على النساء في النصيب ، ونبه بهذه الدقيقة على مزيد فضلهم عليهن . فضل الرجال على النساء