المسألة الخامسة : دل قوله تعالى : ( وهو يدرك الأبصار    ) على أنه تعالى يرى الأشياء ويبصرها ويدركها ؛ وذلك لأنه إما أن يكون المراد من الأبصار عين الأبصار ، أو المراد منه المبصرين ، فإن كان الأول وجب الحكم بكونه تعالى رائيا لرؤية الرائين ولأبصار المبصرين ، وكل من قال ذلك قال : إنه تعالى يرى جميع المرئيات والمبصرات . وإن كان الثاني وجب الحكم بكونه تعالى رائيا للمبصرين ، فعلى كلا التقديرين تدل هذه الآية على كونه تعالى مبصرا للمبصرات ، رائيا للمرئيات    . 
المسألة السادسة : قوله تعالى : ( وهو يدرك الأبصار    ) يفيد الحصر معناه أنه تعالى هو يدرك الأبصار ولا يدركها غير الله تعالى ، والمعنى أن الأمر الذي به يصير الحي رائيا للمرئيات ، ومبصرا للمبصرات ، ومدركا للمدركات ، أمر عجيب وماهية شريفة ، لا يحيط العقل بكنهها ، ومع ذلك فإن الله تعالى مدرك لحقيقتها   [ ص: 109 ] مطلع على ماهيتها ، فيكون المعنى من قوله : ( لا تدركه الأبصار    ) هو أن شيئا من القوى المدركة لا تحيط بحقيقته ، وأن عقلا من العقول لا يقف على كنه صمديته ، فكلت الأبصار عن إدراكه ، وارتدعت العقول عن الوصول إلى ميادين عزته ، وكما أن شيئا لا يحيط به ، فعلمه محيط بالكل ، وإدراكه متناول للكل ، فهذا كيفية نظم هذه الآية . 
المسألة السابعة : قوله : ( وهو اللطيف الخبير    ) اللطافة ضد الكثافة ، والمراد منه الرقة ، وذلك في حق الله ممتنع ، فوجب المصير فيه إلى التأويل ، وهو من وجوه : 
الوجه الأول : المراد لطف صنعه في تركيب أبدان الحيوانات من الأجزاء الدقيقة ، والأغشية الرقيقة ، والمنافذ الضيقة التي لا يعلمها أحد إلا الله تعالى . 
الوجه الثاني : أنه سبحانه لطيف في الإنعام والرأفة والرحمة    . 
والوجه الثالث : أنه لطيف بعباده ، حيث يثني عليهم عند الطاعة ، ويأمرهم بالتوبة عند المعصية ، ولا يقطع عنهم سواد رحمته ، سواء كانوا مطيعين أو كانوا عصاة . 
الوجه الرابع : أنه لطيف بهم ؛ حيث لا يأمرهم فوق طاقتهم ، وينعم عليهم بما هو فوق استحقاقهم ، وأما الخبير : فهو من الخبر وهو العلم ، والمعنى أنه لطيف بعباده مع كونه عالما بما هم عليه من ارتكاب المعاصي والإقدام على القبائح ، وقال صاحب " الكشاف " :   " اللطيف " معناه  أنه يلطف عن أن تدركه الأبصار ، " الخبير " بكل لطيف ، فهو يدرك الأبصار ، ولا يلطف شيء عن إدراكه ، وهذا وجه حسن . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					