الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الرابعة : قال أبو حنيفة وأصحابه رضي الله عنهم : أعضاء المحدث نجسة نجاسة حكمية ، وبنوا عليه أن الماء المستعمل في الوضوء والجنابة نجس ، ثم روى أبو يوسف رحمه الله تعالى أنه نجس نجاسة خفيفة ، وروى الحسن بن زياد : أنه نجس نجاسة غليظة ، وروى محمد بن الحسن أن ذلك الماء طاهر .

                                                                                                                                                                                                                                            واعلم أن قوله تعالى :( إنما المشركون نجس ) يدل على فساد هذا القول ؛ لأن كلمة "إنما" للحصر ، وهذا يقتضي أن لا نجس إلا المشرك ، فالقول بأن أعضاء المحدث نجسة مخالف لهذا النص ، والعجب أن هذا النص صريح في أن المشرك نجس ، وفي أن المؤمن ليس بنجس ، ثم إن قوما ما قلبوا القضية ، وقالوا : المشرك طاهر والمؤمن حال كونه محدثا أو جنبا نجس ، وزعموا أن المياه التي استعملها المشركون في أعضائهم بقيت طاهرة مطهرة ، والمياه التي يستعملها أكابر الأنبياء في أعضائهم نجسة نجاسة غليظة ، وهذا من العجائب ، ومما يؤكد القول بطهارة أعضاء المسلم قوله عليه السلام : " المؤمن لا ينجس حيا ولا ميتا " فصار هذا الخبر مطابقا للقرآن ، ثم الاعتبارات الحكمية طابقت القرآن ، والأخبار في هذا الباب ؛ لأن المسلمين أجمعوا على أن إنسانا لو حمل محدثا في صلاته لم تبطل صلاته ، ولو كانت يده رطبة ، فوصلت إلى يد محدث لم تنجس يده ، ولو عرق المحدث ووصلت تلك النداوة إلى ثوبه لم ينجس ذلك الثوب ، فالقرآن والخبر والإجماع تطابقت على القول بطهارة أعضاء المحدث ، فكيف يمكن مخالفته ؟ وشبهة المخالف أن الوضوء يسمى طهارة ، والطهارة لا تكون إلا بعد سبق النجاسة ، وهذا ضعيف ؛ لأن الطهارة قد تستعمل في إزالة الأوزار والآثام ، قال الله تعالى في صفة أهل البيت :( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ) [الأحزاب : 33] وليست هذه الطهارة إلا عن الآثام والأوزار ، وقال في صفة مريم :( إن الله اصطفاك وطهرك ) [آل عمران : 42] والمراد تطهيرها عن التهمة الفاسدة .

                                                                                                                                                                                                                                            وإذا ثبت هذا فنقول : جاءت الأخبار الصحيحة في أن الوضوء تطهير الأعضاء عن الآثام والأوزار ، فلما فسر الشارع كون الوضوء طهارة بهذا المعنى ، فما الذي حملنا على مخالفته ، والذهاب إلى شيء يبطل القرآن والأخبار والأحكام الإجماعية ؟

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية