ثم قال :( والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم ) .
وفي الآية مسائل :
المسألة الأولى : في قوله :( والذين ) احتمالات ثلاثة ؛ لأنه يحتمل أن يكون المراد بقوله :( الذين ) أولئك الأحبار والرهبان ، ويحتمل أن يكون المراد كلاما مبتدأ على ما قال بعضهم : المراد منه مانعو الزكاة من المسلمين ، ويحتمل أن يكون المراد منه كل من كنز المال ولم يخرج منه الحقوق الواجبة ، سواء كان من الأحبار والرهبان أو كان من المسلمين ، فلا شك أن اللفظ محتمل لكل واحد من هذه الوجوه الثلاثة ، وروي عن قال : مررت زيد بن وهب بأبي ذر فقلت : يا أبا ذر ما أنزلك هذه البلاد ؟ فقال : كنت بالشام فقرأت :( والذين يكنزون الذهب والفضة ) . فقال معاوية : هذه الآية نزلت في أهل الكتاب فقلت : إنها فيهم وفينا ، فصار ذلك سببا للوحشة بيني وبينه ، فكتب إلي عثمان أن أقبل إلي ، فلما قدمت المدينة انحرف الناس عني ، كأنهم لم يروني من قبل ، فشكوت ذلك إلى عثمان فقال لي : تنح قريبا إني والله لن أدع ما كنت أقول ، وعن الأحنف قال : لما قدمت المدينة رأيت أبا ذر يقول : بشر الكافرين برضف يحمى عليه في نار جهنم ، فتوضع على حلمة ثدي أحدهم حتى تخرج من نغض كتفه حتى يرفض بدنه ، وتوضع على نغض كتفه حتى تخرج من حلمة ثديه ، فلما سمع القوم ذلك تركوه فاتبعته وقلت : ما رأيت هؤلاء إلا كرهوا ما قلت لهم ؛ فقال : ما عسى أن يصنع في قريش .
قال مولانا رضي الله عنه : إن كان المراد تخصيص هذا الوعيد بمن سبق ذكرهم وهم أهل الكتاب ، كان التقدير أنه تعالى بقوله :( وصفهم بالحرص الشديد على أخذ أموال الناس ليأكلون أموال الناس بالباطل ) ووصفهم أيضا بالبخل الشديد ، والامتناع عن إخراج الواجبات عن أموال أنفسهم بقوله :( والذين يكنزون الذهب والفضة ) وإن كان المراد مانعي الزكاة من المؤمنين ، كان التقدير أنه تعالى وصف قبح طريقتهم في الحرص على أخذ أموال الناس بالباطل ، ثم ندب المسلمين إلى إخراج الحقوق الواجبة من أموالهم ، وبين ما في تركه من الوعيد الشديد ، وإن كان المراد الكل كان التقدير أنه تعالى وصفهم بالحرص على أخذ أموال الناس بالباطل ، ثم أردفه بوعيد كل من امتنع عن إخراج الحقوق الواجبة من ماله ؛ تنبيها على أنه لما [ ص: 36 ] كان حال من أمسك مال نفسه بالباطل ، كذلك فما ظنك بحال من سعى في أخذ مال غيره بالباطل والتزوير والمكر .