الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            ثم قال تعالى :( ذلك الدين القيم ) وفيه بحثان :

                                                                                                                                                                                                                                            البحث الأول : أن قوله :( ذلك ) إشارة إلى قوله :( إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا ) لا أزيد ولا أنقص أو إلى قوله :( منها أربعة حرم ) وعندي أن الأول أولى ؛ لأن الكفار سلموا أن أربعة منها حرم ، إلا أنهم بسبب الكبيسة ربما جعلوا السنة ثلاثة عشر شهرا ، وكانوا يغيرون مواقع الشهور ، والمقصود من هذه الآية الرد على هؤلاء ، فوجب حمل اللفظ عليه .

                                                                                                                                                                                                                                            البحث الثاني : في تفسير لفظ الدين وجوه :

                                                                                                                                                                                                                                            الأول : أن الدين قد يراد به الحساب ، يقال : " الكيس من دان نفسه " أي : حاسبها ، والقيم معناه المستقيم ، فتفسير الآية على هذا التقدير ، ذلك الحساب المستقيم الصحيح والعدل المستوفى .

                                                                                                                                                                                                                                            الثاني : قال الحسن : ذلك الدين القيم الذي لا يبدل ولا يغير ، فالقيم ههنا بمعنى القائم الذي لا يبدل ولا يغير ، الدائم الذي لا يزول ، وهو الدين الذي فطر الناس عليه .

                                                                                                                                                                                                                                            الثالث : قال بعضهم : المراد أن هذا التعبد هو الدين اللازم في الإسلام ، وقال القاضي : حمل لفظ الدين على العبادة أولى من حمله على الحساب ؛ لأنه مجاز فيه ، ويمكن أن يقال : الأصل في لفظ الدين الانقياد ، يقال : يا من دانت له الرقاب ، أي : انقادت ، فالحساب يسمى دينا ؛ لأنه يوجب الانقياد ، والعدة تسمى دينا ، فلم يكن حمل هذا اللفظ على التعبد أولى من حمله على الحساب ، قال أهل العلم : الواجب على المسلمين بحكم هذه الآية أن يعتبروا في بيوعهم ، ومدد ديونهم ، وأحوال زكواتهم ، وسائر أحكامهم السنة العربية بالأهلة ، ولا يجوز لهم اعتبار السنة العجمية والرومية .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية