( المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ويقبضون أيديهم نسوا الله فنسيهم إن المنافقين هم الفاسقون )
[ ص: 101 ] قوله تعالى :( المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ويقبضون أيديهم نسوا الله فنسيهم إن المنافقين هم الفاسقون ) .
اعلم أن هذا شرح نوع آخر من أنواع فضائحهم وقبائحهم ، والمقصود بيان أن إناثهم كذكورهم في تلك الأعمال المنكرة والأفعال الخبيثة ، فقال :( المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض ) أي : في ، كما يقول الإنسان : أنت مني وأنا منك ، أي : أمرنا واحد لا مباينة فيه . ولما ذكر هذا الكلام ذكر تفصيله فقال :( صفة النفاق يأمرون بالمنكر ) . ولفظ المنكر يدخل فيه كل قبيح ، إلا أن الأعظم ههنا تكذيب الرسول .( وينهون عن المعروف ) . ولفظ المعروف يدخل فيه كل حسن ، إلا أن الأعظم ههنا الإيمان بالرسول صلى الله عليه وسلم .( ويقبضون أيديهم ) . قيل : من كل خير ، وقيل : عن كل خير واجب ؛ من زكاة وصدقة وإنفاق في سبيل الله ، وهذا أقرب ؛ لأنه تعالى لا يذمهم إلا بترك الواجب ، ويدخل فيه ترك الإنفاق في الجهاد ، ونبه بذلك على تخلفهم عن الجهاد ، والأصل في هذا أن المعطي يمد يده ويبسطها بالعطاء ، فقيل لمن منع وبخل : قد قبض يده .
ثم قال :( نسوا الله فنسيهم ) واعلم أن هذا الكلام لا يمكن إجراؤه على ظاهره ؛ لأنا لو حملناه على النسيان على الحقيقة لما استحقوا عليه ذما ؛ لأن النسيان ليس في وسع البشر ، وأيضا فهو في حق الله تعالى محال ، فلا بد من التأويل ، وهو من وجهين :
الأول : معناه أنهم تركوا أمره حتى صار بمنزلة المنسي ، فجازاهم بأن صيرهم بمنزلة المنسي من ثوابه ورحمته ، وجاء هذا على أوجه الكلام ؛ كقوله :( وجزاء سيئة سيئة مثلها ) [ الشورى : 40 ] .
الثاني : النسيان ضد الذكر ، فلما تركوا ذكر الله بالعبادة والثناء على الله ، ترك الله ذكرهم بالرحمة والإحسان ، وإنما حسن جعل النسيان كناية عن ترك الذكر ؛ لأن من نسي شيئا لم يذكره ، فجعل اسم الملزوم كناية عن اللازم .
ثم قال :( إن المنافقين هم الفاسقون ) أي : هم الكاملون في الفسق . والله أعلم .