( وآخرون مرجون لأمر الله إما يعذبهم وإما يتوب عليهم والله عليم حكيم    ) 
قوله تعالى :( وآخرون مرجون لأمر الله إما يعذبهم وإما يتوب عليهم والله عليم حكيم    ) 
وفي الآية مسائل : 
المسألة الأولى : قرأ حمزة  ونافع  والكسائي  وحفص  عن عاصم  مرجون بغير همز والباقون بالهمز وهما لغتان . أرجأت الأمر وأرجيته ، بالهمز وتركه ، إذا أخرته . وسميت المرجئة  بهذا الاسم لأنهم لا يجزمون القول بمغفرة التائب  ولكن يؤخرونها إلى مشيئة الله تعالى . وقال الأوزاعي    : لأنهم يؤخرون العمل عن الإيمان . 
المسألة الثانية : اعلم أنه تعالى قسم المتخلفين عن الجهاد ثلاثة أقسام : 
القسم الأول : المنافقون الذين مردوا على النفاق . 
 [ ص: 152 ] 
القسم الثاني : التائبون وهم المرادون بقوله :( وآخرون اعترفوا بذنوبهم     ) وبين تعالى أنه قبل توبتهم . 
والقسم الثالث : الذين بقوا موقوفين وهم المذكورون في هذه الآية ، والفرق بين القسم الثاني وبين هذا الثالث ، أن أولئك سارعوا إلى التوبة وهؤلاء لم يسارعوا إليها . قال  ابن عباس    - رضي الله عنهما - : نزلت هذه الآية في  كعب بن مالك  ومرارة بن الربيع  ، وهلال بن أمية  ، فقال كعب    : أنا أفره أهل المدينة  جملا ، فمتى شئت لحقت الرسول ، فتأخر أياما وأيس بعدها من اللحوق به فندم على صنيعه وكذلك صاحباه ، فلما قدم رسول الله قيل لكعب  اعتذر إليه من صنيعك ، فقال : لا والله حتى تنزل توبتي ، وأما صاحباه فاعتذرا إليه عليه السلام فقال : "ما خلفكما عني" فقالا : لا عذر لنا إلا الخطيئة فنزل قوله تعالى :( وآخرون مرجون لأمر الله    ) فوقفهم الرسول بعد نزول هذه الآية ونهى الناس عن مجالستهم ، وأمرهم باعتزال نسائهم وإرسالهن إلى أهاليهن ، فجاءت امرأة هلال  تسأل أن تأتيه بطعام فإنه شيخ كبير ، فأذن لها في ذلك خاصة ، وجاء رسول من الشام  إلى كعب  يرغبه في اللحاق بهم ، فقال كعب    : بلغ من خطيئتي أن طمع في المشركون ، قال : فضاقت علي الأرض بما رحبت . وبكى هلال بن أمية  حتى خيف على بصره ، فلما مضى خمسون يوما نزلت توبتهم بقوله :( لقد تاب الله على النبي    ) ( التوبة : 117 ) وبقوله تعالى :( وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض    ) ( التوبة : 118 ) الآية   . وقال الحسن    : يعني بقوله :( وآخرون مرجون لأمر الله    ) قوما من المنافقين أرجأهم رسول الله عن حضرته . وقال الأصم    : يعني المنافقين وهو مثل قوله :( وممن حولكم من الأعراب منافقون    ) أرجأهم الله فلم يخبر عنهم ما علمه منهم وحذرهم بهذه الآية إن لم يتوبوا أن ينزل فيهم قرآنا . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					