[ ص: 166 ]
المسألة الثانية : قوله :(
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=113ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ) يحتمل أن يكون المعنى ما ينبغي لهم ذلك فيكون كالوصف ، وأن يكون معناه ليس لهم ذلك على معنى النهي :
فالأول : معناه أن النبوة والإيمان يمنع من
nindex.php?page=treesubj&link=27928الاستغفار للمشركين .
والثاني : معناه لا تستغفروا ; والأمران متقاربان . وسبب هذا المنع ما ذكره الله تعالى في قوله :(
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=113من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم ) وأيضا قال :(
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=48إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ) [ النساء : 48 ] والمعنى أنه تعالى لما أخبر عنهم أنه يدخلهم النار ، فطلب الغفران لهم جار مجرى طلب أن يخلف الله وعده ووعيده وأنه لا يجوز . وأيضا لما سبق قضاء الله تعالى بأنه يعذبهم ، فلو طلبوا غفرانه لصاروا مردودين ، وذلك يوجب نقصان درجة النبي - عليه الصلاة والسلام - وحط مرتبته ، وأيضا أنه قال :(
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=60ادعوني أستجب لكم ) ( غافر : 60 ) وقال عنهم إنهم أصحاب الجحيم فهذا الاستغفار يوجب الخلف في أحد هذين النصين ، وإنه لا يجوز ، وقد جوز
أبو هاشم أن يسأل العبد ربه شيئا بعد ما أخبر الله عنه أنه لا يفعله ، واحتج عليه بقول أهل النار(
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=107ربنا أخرجنا منها ) ( المؤمنون : 107 ) مع علمهم بأنه تعالى لا يفعل ذلك ، وهذا في غاية البعد من وجوه :
الأول : أن هذا مبني على مذهبه أن أهل الآخرة لا يجهلون ولا يكذبون ، وذلك ممنوع ، بل نص القرآن يبطله ، وهو قوله :(
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=23ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين ) ( الأنعام : 23 )(
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=24انظر كيف كذبوا على أنفسهم ) ( الأنعام : 24 ) والثاني : أن في حقهم يحسن ردهم عن ذلك السؤال وإسكاتهم ، أما في حق الرسول - عليه الصلاة والسلام - فغير جائز ؛ لأنه يوجب نقصان منصبه .
والثالث : أن مثل هذا السؤال الذي يعلم أنه لا فائدة فيه إما أن يكون عبثا أو معصية ; وكلاهما جائزان على أهل النار وغير جائزين على أكابر الأنبياء عليهم السلام .
المسألة الثالثة : أنه تعالى لما بين أن العلة المانعة من هذا الاستغفار هو تبين كونهم من أصحاب النار ، وهذه العلة لا تختلف بأن يكونوا من الأقارب أو من الأباعد ، فلهذا السبب قال تعالى :(
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=113ولو كانوا أولي قربى ) وكون سبب النزول ما حكينا يقوي هذا الذي قلناه .
[ ص: 166 ]
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : قَوْلُهُ :(
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=113مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ ) يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى مَا يَنْبَغِي لَهُمْ ذَلِكَ فَيَكُونُ كَالْوَصْفِ ، وَأَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ لَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ عَلَى مَعْنَى النَّهْيِ :
فَالْأَوَّلُ : مَعْنَاهُ أَنَّ النُّبُوَّةَ وَالْإِيمَانَ يَمْنَعُ مِنْ
nindex.php?page=treesubj&link=27928الِاسْتِغْفَارِ لِلْمُشْرِكِينَ .
وَالثَّانِي : مَعْنَاهُ لَا تَسْتَغْفِرُوا ; وَالْأَمْرَانِ مُتَقَارِبَانِ . وَسَبَبُ هَذَا الْمَنْعِ مَا ذَكَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ :(
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=113مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ ) وَأَيْضًا قَالَ :(
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=48إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ) [ النِّسَاءِ : 48 ] وَالْمَعْنَى أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا أَخْبَرَ عَنْهُمْ أَنَّهُ يُدْخِلُهُمُ النَّارَ ، فَطَلَبُ الْغُفْرَانَ لَهُمْ جَارٍ مَجْرَى طَلَبِ أَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَوَعِيدَهُ وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ . وَأَيْضًا لَمَّا سَبَقَ قَضَاءُ اللَّهِ تَعَالَى بِأَنَّهُ يُعَذِّبُهُمْ ، فَلَوْ طَلَبُوا غُفْرَانَهُ لَصَارُوا مَرْدُودِينَ ، وَذَلِكَ يُوجِبُ نُقْصَانَ دَرَجَةِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَحَطَّ مَرْتَبَتِهِ ، وَأَيْضًا أَنَّهُ قَالَ :(
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=60ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ) ( غَافِرٍ : 60 ) وَقَالَ عَنْهُمْ إِنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ فَهَذَا الِاسْتِغْفَارُ يُوجِبُ الْخُلْفَ فِي أَحَدِ هَذَيْنِ النَّصَّيْنِ ، وَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ ، وَقَدْ جَوَّزَ
أَبُو هَاشِمٍ أَنْ يَسْأَلَ الْعَبْدُ رَبَّهُ شَيْئًا بَعْدَ مَا أَخْبَرَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يَفْعَلُهُ ، وَاحْتَجَّ عَلَيْهِ بِقَوْلِ أَهْلِ النَّارِ(
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=107رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا ) ( الْمُؤْمِنُونَ : 107 ) مَعَ عِلْمِهِمْ بِأَنَّهُ تَعَالَى لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ ، وَهَذَا فِي غَايَةِ الْبُعْدِ مِنْ وُجُوهٍ :
الْأَوَّلُ : أَنَّ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى مَذْهَبِهِ أَنَّ أَهْلَ الْآخِرَةِ لَا يَجْهَلُونَ وَلَا يَكْذِبُونَ ، وَذَلِكَ مَمْنُوعٌ ، بَلْ نَصُّ الْقُرْآنِ يُبْطِلُهُ ، وَهُوَ قَوْلُهُ :(
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=23ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ ) ( الْأَنْعَامِ : 23 )(
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=24انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ ) ( الْأَنْعَامِ : 24 ) وَالثَّانِي : أَنَّ فِي حَقِّهِمْ يَحْسُنُ رَدُّهُمْ عَنْ ذَلِكَ السُّؤَالِ وَإِسْكَاتُهُمْ ، أَمَّا فِي حَقِّ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَغَيْرُ جَائِزٍ ؛ لِأَنَّهُ يُوجِبُ نُقْصَانَ مَنْصِبِهِ .
وَالثَّالِثُ : أَنَّ مِثْلَ هَذَا السُّؤَالِ الَّذِي يُعْلَمُ أَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِيهِ إِمَّا أَنْ يَكُونَ عَبَثًا أَوْ مَعْصِيَةً ; وَكِلَاهُمَا جَائِزَانِ عَلَى أَهْلِ النَّارِ وَغَيْرُ جَائِزَيْنِ عَلَى أَكَابِرِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا بَيَّنَ أَنَّ الْعِلَّةَ الْمَانِعَةَ مِنْ هَذَا الِاسْتِغْفَارِ هُوَ تَبَيُّنُ كَوْنِهِمْ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ ، وَهَذِهِ الْعِلَّةُ لَا تَخْتَلِفُ بِأَنْ يَكُونُوا مِنَ الْأَقَارِبِ أَوْ مَنِ الْأَبَاعِدِ ، فَلِهَذَا السَّبَبِ قَالَ تَعَالَى :(
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=113وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى ) وَكَوْنُ سَبَبِ النُّزُولِ مَا حَكَيْنَا يُقَوِّي هَذَا الَّذِي قُلْنَاهُ .