المسألة الثالثة : هذه الآية حجة قوية لمن يرى أن خبر الواحد حجة ، وقد أطنبنا في تقريره في كتاب "المحصول من الأصول" ، والذي نقوله ههنا أن كل ثلاثة فرقة . وقد أوجب الله تعالى أن يخرج من كل فرقة طائفة ، والخارج من الثلاثة يكون اثنين أو واحدا ، فوجب أن يكون الطائفة إما اثنين وإما واحدا ، ثم إنه تعالى أوجب العمل بأخبارهم ؛ لأن قوله :( ولينذروا قومهم ) عبارة عن إخبارهم . وقوله :( لعلهم يحذرون ) إيجاب على قومهم أن يعلموا بإخبارهم وذلك يقتضي أن يكون خبر الواحد أو الاثنين حجة في الشرع . قال القاضي : هذه الآية لا تدل على وجوب ؛ لأن الطائفة قد تكون جماعة يقع بخبرها الحجة ، ولأن قوله :( العمل بخبر الواحد ولينذروا قومهم ) يصح وإن لم يجب القبول كما أن الشاهد الواحد يلزمه الشهادة ، وإن لم يلزم القبول ، ولأن الإنذار يتضمن التخويف ، وهذا القدر لا يقتضي وجوب العمل به .
[ ص: 181 ] والجواب : أما قوله : " الطائفة " قد تكون جماعة ، فجوابه : أنا بينا أن كل ثلاثة فرقة ، فلما أوجب الله تعالى أن يخرج من كل فرقة طائفة لزم كون الطائفة ، إما اثنين أو واحدا ، وذلك يبطل كون الطائفة جماعة يحصل العلم بخبرهم .
فإن قالوا : إنه تعالى أوجب العمل بقول أولئك الطوائف ولعلهم بلغوا في الكثرة إلى حيث يحصل العلم بقولهم .
قلنا : إنه تعالى أوجب على كل طائفة أن يرجعوا إلى قومهم وذلك يقتضي رجوع كل طائفة إلى قوم خاص ، ثم إنه تعالى أوجب العلم بقول تلك الطائفة وذلك يفيد المطلوب .
وأما قوله :( ولينذروا قومهم ) يصح وإن لم يجب القبول . فنقول إنا لا نتمسك في وجوب العمل بخبر الواحد بقوله :( ولينذروا ) بل بقوله :( لعلهم يحذرون ) ترغيب منه تعالى في الحذر ، بناء على أن ذلك الإنذار يقتضي إيجاب العمل على وفق ذلك الإنذار ، وبهذا الجواب خرج الجواب عن سؤاله الثالث وهو قوله : الإنذار يتضمن التخويف ، وهذا القدر لا يقتضي وجوب العمل به .