المنة الثالثة : قوله : ( ولتصنع على عيني ) قال القفال : لترى على عيني أي على وفق إرادتي ، ومجاز هذا أن من صنع لإنسان شيئا وهو حاضر ينظر إليه صنعه له كما يحب ولا يمكنه أن يفعل ما يخالف غرضه فكذا ههنا ، وفي كيفية المجاز قولان :
الأول : المراد من العين العلم أن ترى على علم مني ، ولما كان العالم بالشيء يحرسه عن الآفات كما أن الناظر إليه يحرسه عن الآفات أطلق لفظ العين على العلم لاشتباههما من هذا الوجه .
الثاني : المراد من العين الحراسة ; وذلك لأن الناظر إلى الشيء يحرسه عما يؤذيه ، فالعين كأنها سبب الحراسة فأطلق اسم السبب على المسبب مجازا ، وهو كقوله تعالى : ( إنني معكما أسمع وأرى ) [ طه : 46 ] ويقال : عين الله عليك إذا دعا لك بالحفظ والحياطة ، قال القاضي ظاهر القرآن يدل على أن المراد من قوله : ( ولتصنع على عيني ) الحفظ والحياطة كقوله تعالى : ( إذ تمشي أختك فتقول هل أدلكم على من يكفله فرجعناك إلى أمك كي تقر عينها ولا تحزن ) فصار ذلك كالتفسير لحياطة الله تعالى له ، بقي ههنا بحثان :
الأول : الواو في قوله : ( ولتصنع على عيني ) فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : كأنه قيل : ( ولتصنع على عيني ) ألقيت عليك محبة مني ثم يكون قوله : ( إذ تمشي أختك ) متعلقا بأول الكلام وهو قوله : ( ولقد مننا عليك مرة أخرى إذ أوحينا إلى أمك ما يوحى ) وإذ تمشي أختك .
وثانيها : يجوز أن يكون قوله : [ ص: 48 ] ( ولتصنع على عيني ) متعلقا بما بعده وهو قوله : ( إذ تمشي ) وذكرنا مثل هذين الوجهين في قوله : ( وليكون من الموقنين ) [ الأنعام : 75 ] .
وثالثها : يجوز أن تكون الواو مقحمة أي وألقيت عليك محبة مني لتصنع ، وهذا ضعيف .
الثاني : قرئ ولتصنع بكسر اللام وسكونها ، والجزم على أنه أمر ، وقرئ ولتصنع بفتح التاء والنصب أي وليكون عملك وتصرفك على علم مني .