( يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير )
قوله تعالى : ( ياأيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير )
اعلم أنه سبحانه لما تكلم في الإلهيات ثم في النبوات أتبعه بالكلام في الشرائع وهو من أربع أوجه :
أولها : تعيين المأمور .
وثانيها : أقسام المأمور به .
وثالثها : ذكر ما يوجب قبول تلك الأوامر .
ورابعها : تأكيد ذلك التكليف .
أما النوع الأول : وهو تعيين المأمور فهو قوله تعالى : ( ياأيها الذين آمنوا ) وفيه قولان : أحدهما : المراد منه كل المكلفين سواء كان مؤمنا أو كافرا ؛ لأن التكليف بهذه الأشياء عام في كل المكلفين فلا معنى لتخصيص المؤمنين بذلك . والثاني : أن المراد بذلك المؤمنون فقط ، أما أولا فلأن اللفظ صريح فيه ، وأما ثانيا فلأن قوله بعد ذلك : ( هو اجتباكم ) وقوله : ( هو سماكم المسلمين ) وقوله : ( وتكونوا شهداء على الناس ) كل ذلك لا يليق إلا بالمؤمنين . أقصى ما في الباب أن يقال : لما كان ذلك واجبا على الكل فأي فائدة في تخصيص المؤمنين ؟ لكنا نقول : تخصيصهم بالذكر لا يدل على نفي ذلك عما عداهم ، بل قد دلت هذه الآية على كونهم على التخصيص مأمورين بهذه الأشياء ، ودلت سائر الآيات على كون الكل مأمورين بها . ويمكن أن يقال : فائدة التخصيص أنه لما جاء الخطاب العام مرة بعد أخرى ثم إنه ما قبله إلا المؤمنون خصهم الله تعالى بهذا الخطاب ليكون ذلك كالتحريض لهم على المواظبة على قبوله وكالتشريق لهم في ذلك الإقرار والتخصيص .
[ ص: 63 ] أما النوع الثاني : وهو المأمور به فقد ذكر الله أمورا أربعة :
الأول : الصلاة وهو المراد من قوله : ( اركعوا واسجدوا ) وذلك لأن هو الركوع والسجود ، والصلاة هي المختصة بهذين الركنين ، فكان ذكرهما جاريا مجرى ذكر الصلاة وذكر أشرف أركان الصلاة رضي الله عنهما : أن الناس في أول إسلامهم كانوا يركعون ولا يسجدون حتى نزلت هذه الآية . ابن عباس
الثاني : قوله : ( واعبدوا ربكم ) وذكروا فيه وجوها :
أحدها : اعبدوه ولا تعبدوا غيره .
وثانيها : واعبدوا ربكم في سائر المأمورات والمنهيات .
وثالثها : افعلوا الركوع والسجود وسائر الطاعات على وجه العبادة ؛ لأنه لا يكفي أن يفعل فإنه ، فلذلك عطف هذه الجملة على الركوع والسجود . ما لم يقصد به عبادة الله تعالى لا ينفع في باب الثواب
الثالث : قوله تعالى : ( وافعلوا الخير ) قال رضي الله عنهما : يزيد به ابن عباس ومكارم الأخلاق ، والوجه عندي في هذا الترتيب أن الصلاة نوع من أنواع العبادة والعبادة نوع من أنواع فعل الخير ؛ لأن صلة الرحم ينقسم إلى خدمة المعبود الذي هو عبارة عن التعظيم لأمر الله ، وإلى الإحسان الذي هو عبارة عن الشفقة على خلق الله ، ويدخل فيه البر والمعروف والصدقة على الفقراء وحسن القول للناس ، فكأنه سبحانه قال : كلفتكم بالصلاة ، بل كلفتكم بما هو أعم منها وهو العبادة ، بل كلفتكم بما هو أعم من العبادة وهو فعل الخيرات . أما قوله تعالى : ( فعل الخير لعلكم تفلحون ) فقيل : معناه لتفلحوا ، والفلاح الظفر بنعيم الآخرة ، وقال الإمام : لعل كلمة للترجية فإن الإنسان قلما يخلو في أداء الفريضة من تقصير وليس هو على يقين من أن الذي أتى به هل هو مقبول عند الله تعالى والعواقب أيضا مستورة " أبو القاسم الأنصاري وكل ميسر لما خلق له " .