الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            أما قوله تعالى : ( الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق ) فاعلم أنه تعالى لما بين أنهم إنما أذنوا في القتال لأجل أنهم ظلموا فبين ذلك الظلم بقوله : ( الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ) فبين تعالى ظلمهم لهم بهذين الوجهين :

                                                                                                                                                                                                                                            أحدهما : أنهم أخرجوهم من ديارهم .

                                                                                                                                                                                                                                            والثاني : أنهم أخرجوهم بسبب أنهم قالوا : ( ربنا الله ) وكل واحد من الوجهين عظيم في الظلم ، فإن قيل : كيف استثنى من غير حق قولهم : ( ربنا الله ) وهو من الحق ؟ قلنا : تقدير الكلام أنهم أخرجوا بغير موجب سوى التوحيد الذي ينبغي أن يكون موجب الإقرار والتمكين لا موجب الإخراج والتسيير ، ومثله ( هل تنقمون منا إلا أن آمنا بالله ) ثم بين سبحانه بقوله : ( ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت ) أن عادته جل جلاله أن يحفظ دينه بهذا الأمر قرأ نافع : " لهدمت " بالتخفيف وقرأ الباقون بالتشديد ، وهاهنا سؤالات :

                                                                                                                                                                                                                                            السؤال الأول : ما المراد بهذا الدفاع الذي أضافه إلى نفسه ؟ الجواب : هو إذنه لأهل دينه بمجاهدة الكفار ، فكأنه قال تعالى : ولولا دفاع الله أهل الشرك بالمؤمنين ، من حيث يأذن لهم في جهادهم وينصرهم على أعدائهم لاستولى أهل الشرك على أهل الأديان وعطلوا ما يبنونه من مواضع العبادة ، ولكنه دفع عن [ ص: 36 ] هؤلاء بأن أمر بقتال أعداء الدين ليتفرغ أهل الدين للعبادة وبناء البيوت لها ، ولهذا المعنى ذكر الصوامع والبيع والصلوات وإن كانت لغير أهل الإسلام ، وذكر المفسرون وجوها أخر :

                                                                                                                                                                                                                                            أحدها : قال الكلبي : يدفع الله بالنبيين عن المؤمنين وبالمجاهدين عن القاعدين عن الجهاد . وثانيها : روى أبو الجوزاء عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : يدفع الله بالمحسن عن المسيء ، وبالذي يصلي عن الذي لا يصلي ، وبالذي يتصدق عن الذي لا يتصدق ، وبالذي يحج عن الذي لا يحج ، وعن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم : إن الله يدفع بالمسلم الصالح عن مائة من أهل بيته ومن جيرانه ، ثم تلا هذه الآية . وثالثها : قال الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما : يدفع بدين الإسلام وبأهله عن أهل الذمة . ورابعها : قال مجاهد : يدفع عن الحقوق بالشهود وعن النفوس بالقصاص .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية