( الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين )
الحكم الأول: قوله تعالى
( الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين )
اعلم أن قوله تعالى : ( الزانية والزاني ) رفعهما على الابتداء, والخبر محذوف عند الخليل على معنى: فيما فرض الله عليكم الزانية والزاني ؛ أي: فاجلدوهما، ويجوز أن يكون الخبر (فاجلدوا) وإنما دخلت الفاء؛ لكون الألف واللام بمعنى (الذي) وتضمنه معنى الشرط, تقديره التي زنت والذي زنى فاجلدوهما, كما تقول: من زنا فاجلدوه، وقرئ بالنصب على إضمار فعل يفسره الظاهر، وقرئ "والزان" بلا ياء، واعلم أن الكلام في هذه الآية على نوعين، أحدهما: ما يتعلق بالشرعيات. والثاني: ما يتعلق بالعقليات. ونحن نأتي على البابين بقدر الطاقة إن شاء الله تعالى . وسيبويه
النوع الأول: الشرعيات، واعلم أن , ويدل عليه أمور. الزنا حرام وهو من الكبائر
أحدها: أن الله تعالى قرنه بالشرك وقتل النفس في قوله تعالى : ( والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما ) [الفرقان: 68] وقال: ( ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا ) [الإسراء: 32]،
وثانيها: أنه تعالى أوجب المائة فيها بكمالها بخلاف حد القذف وشرب الخمر، وشرع [ ص: 115 ] فيه الرجم، ونهى المؤمنين عن الرأفة وأمر بشهود الطائفة للتشهير، وأوجب كون تلك الطائفة من المؤمنين; لأن الفاسق من صلحاء قومه أخجل.
وثالثها: ما روى حذيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " يا معشر الناس اتقوا الزنا فإن فيه ست خصال ; ثلاث في الدنيا وثلاث في الآخرة، أما التي في الدنيا فيذهب البهاء، ويورث الفقر، وينقص العمر، وأما التي في الآخرة فسخط الله سبحانه وتعالى، وسوء الحساب، وعذاب النار " وعن عبد الله قال: " قلت : قال: أن تجعل لله ندا وهو خلقك. قلت: ثم أي؟ قال: وأن تقتل ولدك خشية أن يأكل معك. قلت: ثم أي؟ قال: وأن تزني بحليلة جارك أي الذنب أعظم عند الله؟ " فأنزل الله تعالى تصديقها: ( يا رسول الله والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ) [الفرقان: 68]، واعلم أنه يجب البحث في هذه الآية عن أمور.
أحدها: عن ماهية الزنا.
وثانيها: عن أحكام الزنا.
وثالثها: عن الشرائط المعتبرة في كون الزنا موجبا لتلك الأحكام.
ورابعها: عن الطريق الذي به يعرف حصول الزنا.
وخامسها: أن المخاطبين بقوله: ( فاجلدوهم ) من هم؟
وسادسها: أن الرجم والجلد المأمور بهما في الزنا كيف يكون حالهما؟
البحث الأول: عن ; قال بعض أصحابنا: إنه عبارة عن إيلاج فرج في فرج مشتهى طبعا محرم قطعا، وفيه مسائل : ماهية الزنا
المسألة الأولى: اختلفوا في أن اللواطة هل ينطلق عليها اسم الزنا أم لا؟ فقال قائلون: نعم . واحتج عليه بالنص والمعنى، أما النص فما روى رضي الله عنه أنه عليه الصلاة والسلام قال: " أبو موسى الأشعري " وأما المعنى فهو أن إذا أتى الرجل الرجل فهما زانيان . أما الصورة فلأن الزنا عبارة عن إيلاج فرج في فرج مشتهى طبعا محرم قطعا، والدبر أيضا فرج; لأن القبل إنما سمي فرجا لما فيه من الانفراج، وهذا المعنى حاصل في الدبر، أكثر ما في الباب أن في العرف لا تسمى اللواطة زنا، ولكن هذا لا يقدح في أصل اللغة ، كما يقال: هذا طبيب وليس بعالم مع أن الطب علم، وأما المعنى فلأن الزنا قضاء للشهوة من محل مشتهى طبعا على جهة الحرام المحض، وهذا موجود في اللواط؛ لأن القبل والدبر يشتهيان; لأنهما يشتركان في المعاني التي هي متعلق الشهوة من الحرارة واللين وضيق المدخل، ولذلك فإن من يقول بالطبائع لا يفرق بين المحلين، وإنما المفرق هو الشرع في التحريم والتحليل، فهذا حجة من قال: اللواط داخل تحت اسم الزنا. وأما الأكثرون من أصحابنا فقد سلموا أن اللواط غير داخل تحت اسم الزنا ، واحتجوا عليه بوجوه: اللواط مثل الزنا صورة ومعنى
أحدها: العرف المشهور من أن هذا لواط وليس بزنا وبالعكس، والأصل عدم التغيير.
وثانيها: لو حلف لا يزني فلاط لا يحنث. وثالثها: أن الصحابة اختلفوا في حكم اللواط وكانوا عالمين باللغة، فلو سمي اللواط زنا لأغناهم نص الكتاب في حد الزنا عن الاختلاف والاجتهاد، وأما الحديث فهو محمول على الإثم ، بدليل قوله عليه الصلاة والسلام: " " وقال عليه الصلاة والسلام: " إذا أتت المرأة المرأة فهما زانيتان " وأما القياس فبعيد؛ لأن الفرج وإن كان سمي فرجا لما فيه من الانفراج ، فلا يجب أن يسمى كل ما فيه انفراج بالفرج ، وإلا لكان الفم والعين فرجا، وأيضا فهم سموا النجم نجما لظهوره، ثم ما سموا كل ظاهر نجما. وسموا الجنين جنينا لاستتاره، وما سموا كل مستتر جنينا، واعلم أن اليدان تزنيان والعينان تزنيان رحمه الله في فعل [ ص: 116 ] للشافعي قولين ، أصحهما : عليه حد الزنا ، إن كان محصنا يرجم، وإن لم يكن محصنا يجلد مائة ويغرب عاما. اللواط
وثانيهما: يقتل الفاعل والمفعول به ، سواء كان محصنا أو لم يكن محصنا، لما روى رضي الله عنهما أنه عليه الصلاة والسلام قال: " ابن عباس قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به " ثم في كيفية قتله أوجه: من وجدتموه يعمل عمل
أحدها: تحز رقبته كالمرتد.
وثانيها: يرجم بالحجارة ، وهو قول مالك وأحمد وإسحاق .
وثالثها: يهدم عليه جدار، يروى ذلك عن رضي الله عنه . أبي بكر الصديق
ورابعها: يرمى من شاهق جبل حتى يموت، يروى ذلك عن علي عليه السلام . وإنما ذكروا هذه الوجوه; لأن الله تعالى عذب قوم لوط بكل ذلك فقال تعالى : ( فجعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل ) [الحجر: 74]. وعند رحمه الله لا يحد اللواطي بل يعذر، أما المفعول به فإن كان عاقلا بالغا طائعا ، فإن قلنا: على الفاعل القتل فيقتل المفعول به على صفة قتل الفاعل ؛ للخبر، وإن قلنا: على الفاعل حد الزنا فعلى المفعول به مائة جلدة وتغريب عام محصنا كان أو غير محصن، وقيل: إن كانت امرأة محصنة فعليها الرجم، وليس بصحيح; لأنها لا تصير محصنة بالتمكين في الدبر، فلا يلزمها حد المحصنات كما لو كان المفعول به ذكرا . حجة أبي حنيفة رحمه الله على وجوب الحد من وجوه: الشافعي
الأول: أن اللواط إما أن يساوي الزنا في الماهية أو يساويه في لوازم هذه الماهية، وإذا كان كذلك وجب الحد. بيان الأول: قوله عليه الصلاة والسلام: " " فاللفظ دل على كون اللائط زانيا، واللفظ الدال بالمطابقة على ماهية دال بالالتزام على حصول جميع لوازمها، ودلالة المطابقة والالتزام مشتركان في أصل الدلالة، فاللفظ الدال على حصول الزنا دال على حصول جميع اللوازم، ثم بعد هذا إن تحقق مسمى الزنا في اللواط دخل تحت قوله : ( إذا أتى الرجل الرجل فهما زانيان الزانية والزاني فاجلدوا ) وإن لم يتحقق مسمى الزنا وجب أن يتحقق لوازم مسمى الزنا لما ثبت أن اللفظ الدال على تحقق ماهية دال على تحقق جميع تلك اللوازم ، ترك العمل به في حق الماهية، فوجب أن يبقى معمولا به في الدلالة على جميع تلك اللوازم، لكن من لوازم الزنا وجوب الحد، فوجب أن يتحقق ذلك في اللواط. أكثر ما في الباب أنه ترك العمل بذلك في قوله عليه الصلاة والسلام: " " لكن لا يلزم من ترك العمل هناك تركه هاهنا. إذا أتت المرأة المرأة فهما زانيتان
الثاني: أن اللائط يجب قتله فوجب أن يقتل رجما. بيان الأول: قوله عليه السلام : " قوم لوط فاقتلوا الفاعل منهما والمفعول به ". وبيان الثاني: أنه لما وجب قتله وجب أن يكون زانيا وإلا لما جاز قتله; لقوله عليه السلام : " من عمل عمل " وهاهنا لم يوجد كفر بعد إيمان، ولا قتل نفس بغير حق، فلو لم يوجد الزنا بعد الإحصان لوجب أن لا يقتل، وإذا ثبت أنه وجد الزنا بعد الإحصان وجب الرجم لهذا الحديث. لا يحل دم امرئ مسلم إلا لإحدى ثلاث
الثالث: نقيس اللواط على الزنا، والجامع أن الطبع داع إليه لما فيه من الالتذاذ وهو قبيح فيناسب الزجر، والحد يصلح زاجرا عنه. قالوا: والفرق من وجهين.
أحدهما: أنه وجد في الزنا داعيان، فكان وقوعه أكثر فسادا, فكانت الحاجة إلى الزاجر أتم.
الثاني: أن الزنا يقتضي فساد الأنساب. والجواب: إلغاؤهما بوطء العجوز الشوهاء، واحتج رحمه الله بوجوه. أبو حنيفة
أحدها: اللواط ليس بزنا على ما تقدم ، فوجب أن لا [ ص: 117 ] يقتل; لقوله عليه الصلاة والسلام: " ". لا يحل دم امرئ مسلم إلا لإحدى ثلاث
وثانيها: أن اللواط لا يساوي الزنا في الحاجة إلى شرع الزاجر، ولا في الجناية فلا يساويه في الحد. بيان عدم المساواة في الحاجة أن اللواط وإن كانت يرغب فيها الفاعل لكن لا يرغب فيها المفعول طبعا بخلاف الزنا، فإن الداعي حاصل من الجانبين، وأما عدم المساواة في الجناية فلأن في الزنا إضاعة النسب ولا كذلك اللواط، إذا ثبت هذا فوجب أن لا يساويه في العقوبة; لأن الدليل ينفي شرع الحد لكونه ضررا، ترك العمل به في الزنا، فوجب أن يبقى في اللواط على الأصل.
وثالثها: أن الحد كالبدل عن المهر فلما لم يتعلق باللواط المهر فكذا الحد. والجواب عن الأول أن اللواط وإن لم يكن مساويا للزنا في ماهيته لكنه يساويه في الأحكام.
وعن الثاني: أن اللواط وإن كان لا يرغب فيه المفعول به لكن ذلك بسبب اشتداد رغبة الفاعل; لأن الإنسان حريص على ما منع.
وعن الثالث: أنه لا بد من الجامع. والله أعلم.