[ ص: 157 ]   ( ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم    ) 
النوع الخامس : قوله تعالى : ( ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم    ) 
وهذا من باب الآداب ، أي هلا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا ، وإنما وجب عليهم الامتناع منه لوجوه : 
أحدها : أن المقتضى لكونهم تاركين لهذا الفعل قائم وهو العقل والدين ، ولم يوجد ما يعارضه فوجب أن يكون ظن كونهم تاركين للمعصية أقوى من ظن كونهم فاعلين لها ، فلو أنه أخبر عن صدور المعصية لكان قد رجح المرجوح على الراجح وهو غير جائز . 
وثانيها : وهو أنه يتضمن إيذاء الرسول وذلك سبب للعن لقوله تعالى : ( إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة    ) [ الأحزاب : 57 ] . 
وثالثها : أنه سبب لإيذاء عائشة  وإيذاء أبويها ومن يتصل بهم من غير سبب عرف إقدامهم عليه ، ولا جناية عرف صدورها عنهم ، وذلك حرام . 
ورابعها : أنه إقدام على ما يجوز أن يكون سببا للضرر مع الاستغناء عنه ، والعقل يقتضي التباعد عنه لأن القاذف بتقدير كونه صادقا لا يستحق الثواب على صدقه بل يستحق العقاب لأنه أشاع الفاحشة ، وبتقدير كونه كاذبا فإنه يستحق العقاب العظيم ، ومثل ذلك مما يقتضي صريح العقل الاحتراز عنه . 
وخامسها : أنه تضييع للوقت بما لا فائدة فيه ، وقال عليه الصلاة والسلام :   " من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه " وسادسها : أن في إظهار محاسن الناس وستر مقابحهم تخلقا بأخلاق الله تعالى  ، وقال عليه السلام :   " تخلقوا بأخلاق الله " فهذه الوجوه توجب على العاقل أنه إذا سمع القذف أن يسكت عنه  وأن يجتهد في الاحتراز عن الوقوع فيه ، فإن قيل كيف جاز الفصل بين " لولا " وبين " قلتم " بالظرف ؟ قلنا الفائدة فيه أنه كان الواجب عليهم أن يحترزوا أول ما سمعوا بالإفك عن التكلم به . 
أما قوله : ( سبحانك هذا بهتان عظيم     ) ففيه سؤالان : 
السؤال الأول : كيف يليق " سبحانك " بهذا الموضع ؟ الجواب من وجوه : 
الأول : المراد منه التعجب من عظم الأمر ، وإنما استعمل في معنى التعجب لأنه يسبح الله عند رؤية العجيب من صانعه ثم كثر حتى استعمل في كل متعجب منه . 
الثاني : المراد تنزيه الله تعالى عن أن تكون زوجة نبيه فاجرة . 
الثالث : أنه منزه عن أن يرضى بظلم هؤلاء الفرقة المفترين . 
الرابع : أنه منزه عن أن لا يعاقب هؤلاء القذفة الظلمة . 
السؤال الثاني : لم أوجب عليهم أن يقولوا هذا بهتان عظيم مع أنهم ما كانوا عالمين بكونه كذبا قطعا ؟ والجواب من وجهين : 
الأول : أنهم كانوا متمكنين من العلم بكونه بهتانا ، لأن زوجة الرسول لا يجوز أن تكون فاجرة    . 
الثاني : أنهم لما جزموا أنهم ما كانوا ظانين له بالقلب كان إخبارهم عن ذلك الجزم كذبا ، ونظيره قوله : ( والله يشهد إن المنافقين لكاذبون    ) [ المنافقون : 1 ] . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					