المسألة الثانية : اعلم أن العورات على أربعة أقسام : ، عورة الرجل مع الرجل ، وعورة المرأة مع المرأة ، وعورة المرأة مع الرجل ، فأما الرجل مع الرجل فيجوز له أن ينظر إلى جميع بدنه إلا عورته وعورته ما بين السرة والركبة ، والسرة والركبة ليستا بعورة ، وعند وعورة الرجل مع المرأة رحمه الله أبي حنيفة ، وقال الركبة عورة مالك ، والدليل على أنها عورة ما روي عن الفخذ ليست بعورة حذيفة " " . أن النبي صلى الله عليه وسلم مر به في المسجد وهو كاشف عن فخذه فقال عليه السلام غط فخذك فإنها من العورة
وقال لعلي رضي الله عنه : فإن كان في نظره إلى وجهه أو سائر بدنه شهوة أو خوف فتنة بأن كان أمرد لا يحل النظر إليه ، ولا يجوز للرجل " لا تبرز فخذك ولا تنظر إلى فخذ حي ولا ميت " ، وإن كان كل واحد منهما في جانب من الفراش ، لما روى مضاجعة الرجل أبو سعيد الخدري أنه عليه الصلاة والسلام قال : . " لا يفضي الرجل إلى الرجل في ثوب واحد ، ولا تفضي المرأة إلى المرأة في ثوب واحد "
وتكره إلا لولده شفقة ، وتستحب المصافحة لما روى المعانقة وتقبيل الوجه أنس قال : أما " قال رجل يا رسول الله الرجل منا يلقى أخاه أو صديقه أينحني له ؟ قال لا ، قال أيلتزمه ويقبله ؟ قال لا ، قال أفيأخذ بيده ويصافحه ؟ قال : نعم " فكعورة الرجل مع الرجل ، فلها النظر إلى جميع بدنها إلا ما بين السرة والركبة ، وعند خوف الفتنة لا يجوز ، ولا يجوز المضاجعة . عورة المرأة مع المرأة
، قيل يجوز كالمسلمة مع المسلمة ، والأصح أنه لا يجوز لأنها أجنبية في الدين والله تعالى يقول : ( والمرأة الذمية هل يجوز لها النظر إلى بدن المسلمة أو نسائهن ) وليست الذمية من نسائنا ، أما فالمرأة إما أن تكون أجنبية أو ذات رحم محرم ، أو مستمتعة ، فإن كانت أجنبية فإما أن تكون حرة أو أمة فإن كانت حرة فجميع بدنها عورة ، ولا يجوز له أن ينظر إلى شيء منها إلا الوجه والكفين ، لأنها تحتاج إلى إبراز الوجه في البيع والشراء ، وإلى إخراج الكف للأخذ والعطاء ، ونعني بالكف ظهرها وبطنها إلى الكوعين ، وقيل ظهر الكف عورة . عورة المرأة مع الرجل
واعلم أنا ذكرنا أنه لا يجوز النظر إلى شيء من بدنها ، ويجوز النظر إلى وجهها وكفها ، وفي كل واحد من القولين استثناء . أما قوله يجوز النظر إلى وجهها وكفها ، فاعلم أنه على ثلاثة أقسام لأنه إما أن لا يكون فيه غرض ولا فيه فتنة ، وإما أن يكون فيه فتنة ولا غرض فيه ، وإما أن يكون فيه فتنة وغرض ، أما القسم الأول : فاعلم أنه لا يجوز أن يتعمد لغير غرض وإن وقع بصره عليها بغتة يغض بصره ، لقوله تعالى : ( النظر إلى وجه الأجنبية قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ) وقيل يجوز مرة واحدة إذا لم يكن محل فتنة ، وبه قال رحمه الله ولا يجوز أن يكرر النظر إليها لقوله تعالى : ( أبو حنيفة إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا ) [ الإسراء : 36 ] ولقوله عليه السلام : علي لا تتبع النظرة النظرة فإن لك الأولى وليست لك الآخرة " وعن " يا جابر قال : فأمرني أن أصرف بصري " نظر الفجأة ولأن الغالب أن الاحتراز عن الأولى لا يمكن فوقع عفوا قصد أو لم يقصد [ ص: 177 ] أما القسم الثاني : وهو أن يكون فيه غرض ولا فتنة فيه فذاك أمور : " سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن
أحدها : بأن ، روى يريد نكاح امرأة فينظر إلى وجهها وكفيها رضي الله عنه : أبو هريرة الأنصار ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم انظر إليها فإن في أعين الأنصار شيئا " وقال عليه الصلاة والسلام : " أن رجلا أراد أن يتزوج امرأة من وقال " إذا خطب أحدكم المرأة فلا جناح عليه أن ينظر إليها إذا كان إنما ينظر إليها للخطبة " " المغيرة بن شعبة " . خطبت امرأة فقال عليه السلام نظرت إليها ، فقلت لا ، قال فانظر فإنها أحرى أن يدوم بينكما
فكل ذلك يدل على جواز النظر إلى وجهها وكفيها للشهوة إذا أراد أن يتزوجها ، ويدل عليه أيضا قوله تعالى : ( لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج ولو أعجبك حسنهن ) [ الأحزاب : 52 ] ولا يعجبه حسنهن إلا بعد رؤية وجوههن .
وثانيها : إذا . أراد شراء جارية فله أن ينظر إلى ما ليس بعورة منها
وثالثها : أنه متأملا حتى يعرفها عند الحاجة إليه . عند المبايعة ينظر إلى وجهها
ورابعها : ولا ينظر إلى غير الوجه لأن المعرفة تحصل به . ينظر إليها عند تحمل الشهادة
أما القسم الثالث : وهو أن ينظر إليها للشهوة فذاك محظور ، قال عليه الصلاة والسلام : وعن " العينان تزنيان " جابر قال : . " سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظرة الفجأة فأمرني أن أصرف بصري "
وقيل : مكتوب في التوراة ، ورب شهوة أورثت حزنا طويلا . النظرة تزرع في القلب الشهوة
أما الكلام الثاني : وهو أنه لا يجوز للأجنبي النظر إلى بدن الأجنبية فقد استثنوا منه صورا
إحداها : يجوز ، كما يجوز للختان أن ينظر إلى فرج المختون ، لأنه موضع ضرورة . للطبيب الأمين أن ينظر إليها للمعالجة
وثانيتها : يجوز أن يتعمد ، وكذلك ينظر إلى فرجها لتحمل شهادة الولادة ، وإلى ثدي المرضعة لتحمل الشهادة على الرضاع ، وقال النظر إلى فرج الزانيين لتحمل الشهادة على الزنا لا يجوز للرجل أن يقصد النظر في هذه المواضع ، لأن الزنا مندوب إلى ستره ، وفي الولادة والرضاع تقبل شهادة النساء فلا حاجة إلى نظر الرجال للشهادة . أبو سعيد الإصطخري
وثالثتها : لو ، أما إذا كانت الأجنبية أمة فقال بعضهم عورتها ما بين السرة والركبة ، وقال آخرون عورتها ما لا يبين للمهنة فخرج منه أن رأسها وساعديها وساقيها ونحرها وصدرها ليس بعورة ، وفي ظهرها وبطنها وما فوق ساعديها الخلاف المذكور ، ولا يجوز لمسها ولا لها لمسه بحال لا لحجامة ولا اكتحال ولا غيره ، لأن اللمس أقوى من النظر بدليل أن الإنزال باللمس يفطر الصائم وبالنظر لا يفطره . وقعت في غرق أو حرق فله أن ينظر إلى بدنها ليخلصها
وقال رحمه الله يجوز أن يمس من الأمة ما يحل النظر إليه أما إن كانت المرأة ذات محرم له بنسب أو رضاع أو صهرية فعورتها معه ما بين السرة والركبة كعورة الرجل ، وقال آخرون بل عورتها ما لا يبدو عند المهنة ، وهو قول أبو حنيفة رحمه الله فأما سائر التفاصيل فستأتي إن شاء الله تعالى في تفسير الآية ، أما إذا كانت المرأة مستمتعة كالزوجة والأمة التي يحل له الاستمتاع بها ، فيجوز له أن ينظر إلى جميع بدنها حتى إلى فرجها غير أنه يكره أن ينظر إلى الفرج وكذا إلى فرج نفسه ، لأنه يروى أنه [ ص: 178 ] يورث الطمس ، وقيل لا يجوز النظر إلى فرجها ولا فرق بين أن تكون الأمة قنة أو مدبرة أو أم ولد أو مرهونة . فإن كانت مجوسية أو مرتدة أو وثنية أو مشتركة بينه وبين غيره أو متزوجة أو مكاتبة فهي كالأجنبية ، روى أبي حنيفة عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : عمرو بن شعيب . " إذا زوج أحدكم جاريته عبده أو أجيره فلا ينظر إلى ما دون السرة وفوق الركبة "
وأما ( ففيه ) نظر إن كان أجنبيا منها فعورته معها ما بين السرة والركبة ، وقيل جميع بدنه إلا الوجه والكفين كهي معه ، والأول أصح بخلاف المرأة في حق الرجل ، لأن عورة الرجل مع المرأة بدليل أنه لا تصح صلاتها مكشوفة البدن وبدن الرجل بخلافه ، ولا يجوز لها قصد النظر عند خوف الفتنة ولا تكرير النظر إلى وجهه لما روي عن بدن المرأة في ذاته عورة : " أم سلمة وميمونة إذ أقبل فدخل عليها فقال عليه الصلاة والسلام : احتجبا منه ، فقلت يا رسول الله أليس هو أعمى لا يبصرنا ؟ فقال عليه الصلاة والسلام أفعمياوان أنتما ألستما تبصرانه ابن أم مكتوم " . أنها كانت عند النبي صلى الله عليه وسلم
وإن كان محرما لها فعورته معها ما بين السرة والركبة وإن كان زوجها أو سيدها الذي يحل له وطؤها فلها أن تنظر إلى جميع بدنه غير أنه يكره كهو معها ، ولا يجوز للرجل أن يجلس عاريا في بيت خال وله ما يستر عورته ، لأنه روي أنه عليه الصلاة والسلام سئل عنه فقال : النظر إلى الفرج . وروي أنه عليه الصلاة والسلام قال : " الله أحق أن يستحيي منه " إلا عند الغائط ، وحين يفضي الرجل إلى أهله " إياكم والتعري فإن معكم من لا يفارقكم والله أعلم . "
المسألة الثالثة : سئل الشبلي عن قوله : ( يغضوا من أبصارهم ) فقال أبصار الرءوس عن المحرمات ، وأبصار القلوب عما سوى الله تعالى .