المسألة الثانية : قال -رحمه الله- يجب الشافعي ، أو يدفع إليه جزءا مما أخذ منه ، وقال مالك على المولى إيتاء المكاتب وهو أن يحط عنه جزءا من مال الكتابة وأصحابه : إنه مندوب إليه لكنه غير واجب ، حجة وأبو حنيفة -رحمه الله- ظاهر قوله : ( الشافعي وآتوهم من مال الله الذي آتاكم ) والأمر للوجوب فقيل عليه إن قوله : ( فكاتبوهم ) وقوله : ( وآتوهم ) أمران وردا في صورة واحدة ، فلم جعلت الأولى ندبا والثاني إيجابا ؟ .
وأيضا فقد ثبت أن قوله ( وآتوهم ) ليس خطابا مع الموالي بل مع عامة المسلمين . حجة -رحمه الله- من حيث السنة والقياس ، أما السنة فما روى أبي حنيفة عن أبيه عن جده أنه عليه الصلاة والسلام قال : " عمرو بن شعيب " فلو كان الحط واجبا لسقط عنه بقدره ، وعن أيما عبد كاتب على مائة أوقية فأداها إلا عشر أواق فهو عبد عروة رضي الله عنها قالت : " جاءتني عائشة فقالت : يا بريرة إني قد كاتبت أهلي على تسع أواق في كل عام أوقية فأعيتني ، ولم تكن قضت من كتابتها شيئا ، فقالت عائشة رضي الله عنها ارجعي إلى أهلك فإن أحبوا أن أعطيهم ذلك جميعا ويكون ولاؤك لي فعلت ، فأبوا ، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : لا يمنعك ذلك منها ، ابتاعي وأعتقي ، فإنما الولاء لمن أعتق " عائشة . عن
وجه الاستدلال أنها ما قضت من كتابتها شيئا وأرادت أن تؤدي عنها كتابتها بالكلية وذكرته لرسول الله صلى الله عليه وسلم وترك رسول الله النكر عليها ، ولم يقل إنها تستحق أن يحط عنها بعض كتابتها فثبت قولنا . وأما القياس فمن وجهين : عائشة
الأول : لو كان الإيتاء واجبا لكان وجوبه متعلقا بالعقد فيكون العقد موجبا له ومسقطا له ، وذلك محال لتنافي الإسقاط والإيجاب .
الثاني : لو كان الحط واجبا لما احتاج إلى أن يضع عنه بل كان يسقط القدر المستحق كمن له على إنسان دين ثم حصل لذلك الآخر على الأول مثله فإنه يصير قصاصا .
ولو كان كذلك لكان قدر الإيتاء إما أن يكون معلوما أو مجهولا ، فإن كان معلوما وجب أن تكون الكتابة بألفين فيعتق إذا أدى ثلاثة آلاف . والكتابة أربعة آلاف ، وذلك باطل لأن أداء جميعها مشروط ، فلا يعتق بأداء بعضها ، ولأنه عليه السلام قال : " " وإن كان مجهولا صارت الكتابة مجهولة لأن الباقي بعد الحط مجهول فيصير بمنزلة من كاتب عبده على ألف درهم إلا شيئا وذلك غير جائز والله أعلم . المكاتب عبد ما بقي عليه درهم