( قالوا يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون    ) . 
ثم قال تعالى : ( قالوا ياويلنا من بعثنا من مرقدنا هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون    ) . 
يعني لما بعثوا قالوا ذلك ، لأن قوله : ( ونفخ في الصور    ) يدل على أنهم بعثوا وفيه مسائل : 
المسألة الأولى : لو قال قائل : لو قال الله تعالى فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون يقولون : يا ويلنا كان أليق ، نقول : معاذ الله ، وذلك لأن قوله : ( فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون    ) على ما ذكرنا إشارة إلى أنه تعالى في أسرع زمان يجمع أجزاءهم ويؤلفها ويحييها ويحركها ، بحيث يقع نسلانهم في وقت النفخ ، مع أن ذلك لا بد له من الجمع والتأليف ، فلو قال : يقولون ، لكان ذلك مثل الحال لينسلون ، أي ينسلون قائلين : يا ويلنا وليس كذلك ، فإن قولهم : يا ويلنا قبل أن ينسلوا ، وإنما ذكر النسلان لما ذكرنا من الفوائد . 
المسألة الثانية : لو قال قائل : قد عرفنا معنى النداء في مثل يا حسرة ويا حسرتا ويا ويلنا ، ولكن ما الفرق بين قولهم وقول الله حيث قال : ( ياحسرة على العباد    ) [ يس : 30 ] من غير إضافة ، وقالوا : يا حسرتا ويا حسرتنا ويا ويلنا ؟ نقول : حيث كان القائل هو المكلف لم يكن لأحد علم إلا بحالة أو بحال من قرب منه ، فكان كل واحد مشغولا بنفسه ، فكان كل واحد يقول : يا حسرتنا ويا ويلنا ، فقوله : ( قالوا ياويلنا    ) أي كل واحد قال : يا ويلي ، وأما حيث قال الله قال على سبيل العموم لشمول علمه بحالهم . 
المسألة الثالثة : ما وجه تعلق : ( من بعثنا من مرقدنا    ) بقولهم : ( ياويلنا    ) نقول : لما بعثوا تذكروا ما كانوا يسمعون من الرسل ، فقالوا : ( ياويلنا من بعثنا    ) أبعثنا الله البعث الموعود به  أم كنا نياما فنبهنا ؟ وهذا كما إذا   [ ص: 79 ] كان إنسان موعودا بأن يأتيه عدو لا يطيقه ، ثم يرى رجلا هائلا يقبل عليه فيرتجف في نفسه ويقول : هذا ذلك أم لا ؟ ويدل على ما ذكرنا قولهم : ( من مرقدنا    ) حيث جعلوا القبور موضع الرقاد إشارة إلى أنهم شكوا في أنهم كانوا نياما فنبهوا أو كانوا موتى وكان الغالب على ظنهم هو البعث فجمعوا بين الأمرين ، فقالوا : ( من بعثنا    ) إشارة إلى ظنهم أنه بعثهم الموعود به ، وقالوا : ( من مرقدنا    ) إشارة إلى توهمهم احتمال الانتباه . 
المسألة الرابعة : ( هذا ) إشارة إلى ماذا ؟ نقول : فيه وجهان : 
أحدهما : أنه إشارة إلى المرقد كأنهم قالوا : ( من بعثنا من مرقدنا    ) هذا فيكون صفة للمرقد ، يقال : كلامي هذا صدق . 
وثانيهما : ( هذا ) إشارة إلى البعث ، أي هذا البعث ما وعد به الرحمن وصدق فيه المرسلون . 
المسألة الخامسة : إذا كان " هذا " صفة للمرقد فكيف يصح قوله تعالى : ( ما وعد الرحمن وصدق المرسلون    ) ؟  نقول : يكون ما وعد الرحمن مبتدأ خبره محذوف ، تقديره ما وعد الرحمن حق ، والمرسلون صدقوا ، أو يقال ما وعد به الرحمن وصدق فيه المرسلون حق ، والأول أظهر لقلة الإضمار ، أو يقال : ما وعد الرحمن خبر مبتدأ محذوف تقديره هو ما وعد الرحمن من البعث ليس تنبيها من النوم ، وصدق المرسلون فيما أخبروكم به . 
المسألة السادسة : إن قلنا : ( هذا ) إشارة إلى المرقد أو إلى البعث ، فجواب الاستفهام بقولهم ( من بعثنا    ) أين يكون ؟  نقول : لما كان غرضهم من قولهم : ( من بعثنا    ) حصول العلم بأنه بعث أو تنبيه حصل الجواب بقوله : هذا بعث وعد الرحمن به ، ليس تنبيها ، كما أن الخائف إذا قال لغيره : ماذا تقول أيقتلني فلان ؟ فله أن يقول : لا تخف ، ويسكت لعلمه أن غرضه إزالة الرعب عنه وبه يحصل الجواب . 
				
						
						
